للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولأنا نجد كل صنعة فيما بيننا لا تشبه صانعها كالكتابة لا تشبه الكاتب، والبناء لا يشبه الباني، فدل ما ظهر لنا من ذلك على ما غاب عنا، وعلمنا أن صنعة الباري لا تشبهه"١.

فهذا دليل عقلي ساقه البيهقي - رحمه الله - ليسند به رأيه في إثبات هذه الصفات على ضوء قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فقد جمع سبحانه في هذه الآية بين إثبات الصفات، وبين تنزيهه سبحانه عن مشابهة المخلوقات، فصفاته سبحانه تليق بجلاله وكماله، وصفات خلقه تليق بضعفهم وافتقارهم.

وهكذا يتضح لنا أن البيهقى إنما يتفق مع الأشاعرة في إثبات هذه الصفات، إلا أنه يختلف معهم في طريقة الإثبات، فالبيهقي سلك لذلك طريقي العقل والنقل جميعاً، أما الأشاعرة فاكتفوا بالاستدلال العقلي٢.

والبيهقي بهذا يتفق مع السلف لأنه جمع بين الأمرين مثلهم، كما سبق أن ذكرت إشارة ابن تيمية إلى ذلك.

زيادة الصفات على الذات:

ولهذا الموضوع أهمية خاصة نظراً لكونه المحك الرئيسي في وضوح الرؤية، وبيان المقصد في الكلام عن الصفات، ولهذا لم يهمله البيهقي بل أولاه من العناية ما يليق بأهميته.

وقد سبق أن ذكرت عن المعتزلة نفيهم لهذه الصفات مع أنهم حينما يذكرونها، ويتحدثون عنها، إنما يكون حديثهم ذاك على أساس أنه إثبات للصفات، فهم لا يعترفون لنا بما نتهمهم به مع أنه صريح مذهبهم وإنما


١ الجامع لشعب الإيمان١/ ل١٧.
٢ انظر: استدلال الأشاعرة على هذه الصفات في كتاب الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي ص: ١١٩-١٣٩.

<<  <   >  >>