للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كما ذكر الرازي في كتاب الأربعين أن هذا القول لازم لجميع الطوائف التي أنكرته، بل ذكر أن أبا البركات البغدادي وهو من أشهر الفلاسفة المتأخرين قال به صراحة١.

ففي هذه المسألة إذاً رأيان:

أحدهما: يقول بجواز حلول الحوادث بذات الله تعالى، وهو رأي جمهور المحدّثين وأئمتهم.

والآخر: يمنع ذلك، وهو مذهب البيهقي، ومن وافقه من المتكلمين والفلاسفة.

وكل من الفريقين لا بد وأن يسلك في الاستدلال على مذهبه في هذه القضية السمع، أو العقل، أو الاثنين جميعاً، وهما طريقان ليس للنفاة فيهما نصيب مما يقوي رأي المحدثين، ويدل على أنه الحقّ فالشبهة الوحيدة التي قادت النفاة ومنهم البيهقي على سلوك هذا المنهج ذكرها إمام الحرمين الجويني من معاصري شيخنا وهي: أنه قامت الحوادث به لم يخل عنها، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث٢.

وهي متضمنة للدليل الذي سبق أن ذكرت استدلال البيهقي به على حدوث العالم. إلأ أن هذا الكلام لا دليل لهم فيه على هذه القضية فهو كلام مجمل يشتمل على حق وباطل، لأنه إن أريد بالنفي أنه سبحانه لا يحل في ذاته المقدسة شيء من مخلوقاته المحدثة أو لا يحدث له وصف متجدد لم يكن، فهذا نفي صحيح.


١ الأربعين في أصول الدين للرازي ص: ١١٨.
٢ لمع الأدلة للجويني ص: ٩٦.

<<  <   >  >>