للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأما الطرق العقلية فالمثبتون يقولون إنها من جانبهم دون جانب النفاة، كما تزعم النفاة أنها من جانبهم وذلك أنهم قالوا إن قدرته على ما يقوم به من الكلام والفعل صفة كمال، ومن المعلوم أن من قدر على أن يفعل ويتكلم أكمل ممن لا يقدر على ذلك كما أن قدرته على أن يبدع الأشياء صفة كمال، والقادر على الخلق أكمل ممن لا يقدر على الخلق، وقالوا: الحي لا يخلو عن هذا والحياة هي المصححة لهذا كما هي المصححة لسائر الصفات، وإذا قدر حي لا يقدر على أن يفعل بنفسه، ويتكلم بنفسه، كان عاجزاً بمنزلة الزمن والأخرس"١.

وهذا الرأي الذي اختاره ابن تيمية وذكر أنه مذهب السلف وأنه الحق الذي يؤيده الدليل الشرعي والعقلي هو بعينه رأى الكرامية.

وكل ما بين الكرامية والسلف من خلاف في هذه المسألة هو أنهم يجعلون لما يحدث في ذاته ابتداء ويقولون: إنه لم يكن متكلماً ولا فاعلاً في الأزل ثم صار متكلماً وفاعلاً فيما لا يزال، كما إن ما يحدث في ذاته عندهم لا يقبل العدم والزوال٢.

وهكذا يتضح لنا أن القول بحلول الحوادث بذات الله تعالى بمعنى أنه يتكلم متى شاء ويفعل ما يريد هو الرأي الصحيح بدلالة العقل والنقل. كما اتضح لنا موافقة البيهقي للأشاعرة على ما وضعوه من أحكام لهذه الصفات، والتي سبق ذكرها في أوّل هذا الفصل.


١ شرح العقيدة الإصفهانية لابن تيمية ص: ٦٩-٧٠.
٢ انظر: ابن تيمية السلف للدكتور محمّد خليل هراس ص: ١٣٤.

<<  <   >  >>