فالتطبيق الطبيعي لمنهج البيهقي السالف كان ينبغي أن تكون نتيجته الإثبات لجميع الصفات لتوفر جميع العناصر التي اشترطها في أدلتها. فكل صفة من صفات الله تعالى ورد إثباتها بالكتاب أو بالسنة أو بهما معاً، مع توفر الإجماع من جانب السلف على وصفه سبحانه بها لوضوح أدلتها، وصراحتها في ذلك. إلاّ أن ما حصل من البيهقي كان بخلاف ذلك، لأنه اتفق مع السلف في إثبات بعض الصفات، وخالفهم في بعضها الآخر، حيث أوله، أو فوض فيه.
فهذه ثلاثة مناهج سلكها البيهقي في أمر كان ينبغي أن يكون الكلام فيه على نمط واحد لأن ما يقال في بعض الصفات ينبغي أن يقال في بعضها الآخر، وهو إلزام لجميع نفاة الصفات لإثباتهم لذات الله تعالى والكلام عن الصفات لا بد وأن يكون فرعاً عن الكلام في الذات، فإذا ثبتت الذات كان لا بد من ثبوت صفاتها يقيناً، وأي شبهة يوردها أولئك النفاة فإنها تلزم ما أثبتوه من صفات، إذ لا فرق حينئذٍ بين القول في صفة والقول في أخرى.
وللبيهقي أسلوب خاص في التفريق بين ما يرى إثباته حقيقة وبين ما أوله أو فوض فيه، وذلك عن طريق الترجمة لبحث الصفة، لأنه حين يرمي إلى إثباتها إثباتاًحقيقياً يترجم لأدلتها بقوله:(باب ما جاء في إثبات كذا) كما هو الحال عند كلامه على الصفات العقلية كالحياة، والعلم، والقدرة وغيرها. حيث ترجم لصفة الحياة بقوله:(باب ما جاء في إثبات صفة الحياة) ١ وسلك في الترجمة نفس الأسلوب لبقية هذا النوع من الصفات.