للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فهذا كلام الهدهد كما اتفق على ذلك المفسرون، وهو طير من الطيور، فهو - كما يقول عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – "غديم العقل، يصيح كغيره من الطيور، قد خاطب سليمان بأعظم التوحيد، وأعلمه بغير ذلك"١.

بعد هذا كله يتبين لنا أن وجود الله تعالى أمر فطري لا يحتاج إلى دليل، والدليل إنما يكون عند تغير الفطرة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "الإقرار بالخالق وكماله يكون فطرياً في حق من سلمت فطرته، وإن كان مع ذلك قد تقوم عليه الأدلة الكثيرة، وقد يحتاج إلى الأدلة عليه كثير من الناس عند تغير الفطرة وأحوال تعرض لها"٢.

والشيطان دائم الحرص على تغيير هذه الفطرة، وإفسادها باجتبال من يقدر عليه من بني الإنسان، فنحن نلاحظ أن المجتمع الإنساني لا يخلو من وجود فئة ملحدة، تنكر وجود الله تعالى، لذلك وجد الاستدلال على هذه القضية الفطرية، لتقوم الحجة على تلك الطائفة الشاذة عن الطبيعة الإنسانية، والمتمردة على الفطرة الثابتة في نفوس البشر جميعاً، حتى فيهم أنفسهم، إذ إن ما يظهر من بعض الملحدين من الكفر بالله، والاستهزاء


١ مجموعة الرسائل الكبرى٢/٣٤٤.
٢ مجموع الفتاوى٦/٧٣، وما قررناه هنا من أن الإقرار بالخالق أمر فطري، وأن الانحراف أمر طارئ على الإنسانية حين فساد الفطرة، هو ما قرره الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين) (١/ ٩٣، ٩٤) ، وابن القيم في (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان) (٢/١٥٢) ، وعزاه شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة إلى الجمهور ٢/٢٠٢.

<<  <   >  >>