والنذارة عن الشرك مقدم على الدعوة إلى التوحيد؛ لأنه مدلول كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، ولأن هذه الآية تقتضي ذلك؛ فإنها بدأت بجانب الشرك؛ لكون العبادة لا تصح مع وجوده؛ لأنه ينافيها، فلو وجدت والمنافي موجود؛ لم تصح، ولم تنفع.
ثم ثنى بالتوحيد بقوله:{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}[المدثر:٣] ؛ أي: عظمه بالتوحيد؛ لأنه أوجب الواجبات، وهو المقصود، ولا يرفع عمل إلا به.
وفي البداءة بالنهي عن الشرك والإنذار عنه آيات كثيرة وأحاديث شهيرة لا تخفى على من له أدنى علم وبصيرة، والله المستعان.
والتغليظ في ذلك؛ أي: في الشرك، والتشديد في النهي عنه وعن أسبابه وذرائعه الموصلة إليه؛ لأنه أظلم الظلم وأبطل الباطل، ومع ذلك؛ فهو هضم للربوبية، وتنقُّص للألوهية، وسوء ظن برب العالمين جلَّ وعلا وتقدَّس.
والشرك أقبح المعاصي وأشنعها على الإطلاق؛ لأنه يقتضي تسوية المخلوق الناقص من كل وجه بالخالق العظيم الكامل من جميع الوجوه؛ فسبحان الله وتعالى عما يشركون.
ولذلك كانت جميع الذنوب تحت المشيئة؛ إلا الشرك:
كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[النساء:٤٨] .