للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

النصوح التي يقبلها الله، يرفع بها صاحبها إلى أعظمَ مما كان عليه، كما قال بعض السلف: كان داودُ عليه السلام بعد التوبة خيراً منه قبل الخطيئة.

وقال آخر: لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إلى الله، لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه ... وفي الكتاب والسنة الصحيحة، والكتب التي قبل القرآن مما يوافق هذا القول، ما يتعذر إحصاؤه.

والرادّون لذلك، تأولوا ذلك بمثل تأويلات الجهمية، والقدرية، والدهرية، لنصوص الأسماء والصفات ونصوص القدر ونصوص المعاد، وهي من جنس تأويلات القرامطة الباطنية التي يُعلَم بالاضطرار أنها باطلة، وأنها من باب تحريف الكلم عن مواضعه، وهؤلاء يقصد أحدهم تعظيمَ الأنبياء فيقع في تكذيبهم، ويريد الإيمان بهم، فيقع في الكفر بهم" (١) .

وهذا المذهب الذي يرى الذنوب كلها في مرتبة واحدة باطل، لأن النصوص متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، والقرآن الكريم قد صرح بذلك بلا لبس، قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:٣١] ومعنى الآية أن اجتناب الكبائر والبعدَ عنها، يكون سببا في تكفير ما اقترف من السيئات، وهي الصغائر، فلو كانت الكبائر هي السيئات، لكان معنى الآية: إن تجتنبوا الكبائر نكفر عنكم الكبائر، وهذا معنى باطل، لأن مالم يفعل لا يتصور فيه التكفير، وإنما التكفير ينصب على ما فعل من الصغائر التي لا يخلو منها بشر.


(١) الفتاوى - ١٠/٢٨٩ -٢٩٠/ إلى ـ ٢٩٥.

<<  <   >  >>