للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

د – التدقيق في سير حَملة الحديث عن قرب، واختبار عدالتهم وضبطهم ومدى موافقتهم أو مخالفتهم، فعرفوا بذلك كل واحد على حقيقته، ونزلوه منزلته، بلا شطط، ولا تقصير.

وبذلك وضعوا سدا منيعا بين الكَذَبة والدس في السنة النبوية، فإذا جاء أحد بحديث يرويه عن الكوفيين مثلا، نظروا هل هو من حديثهم أو ليس كذلك، وهل كان معروفا بالرواية متصدرا لها، أو كان مغمورا، أو متساهلا، فإن استوفى شروط القبول قبلوه وإلا رفضوه. وهكذا حُرِست السنة وضبطت بأسانيدها ومتونها، حتى دخلت في مصنفات، وخلدت في مؤلفات، عرف مصنفوها بثقتهم وسعة علمهم، وكثرة مرويهم، وضبطهم وإتقانهم، فاستراح الناس من خوف الدس المتعمد وغير المتعمد، فأصبح من يروي شيئا ليس في الدواوين المعروفة، ولا تناقله أهل العلم، ولا عمل به بينهم، لا يؤبه له ولا لروايته.

وهذه الجهود الضخمة المبذولة في حفظ السنة، هي معجزة لنبينا صلى الله عليه وسلم وكرامة لأمته، ومفخرة لها، وقد تمخضت أيضا لأول مرة في تاريخ البشرية عن ابتكار علم توثيق الأخبار وتمحيصها، المسمى: " علم الجرح والتعديل وعلم العلل " وقد ابتدعه المسلمون للحفاظ على السنة النبوية، وقلدهم من سواهم من أصحاب العلوم الأخرى في ذلك.

وهذا العلم مفخرة للحديث والمحدثين خاصة، وللمسلمين عامة، فكان بحق هؤلاء نقَدة المعرفة، وخدَمة الحقيقة، حتى قال سفيان الثوري: " الملائكة حراس السماء، وأصحاب الحديث حراس الأرض " (١) .


(١) شرف أصحاب الحديث – ٤٤.

<<  <   >  >>