للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقال يزيد بن زريع: " لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد " (١) .

فإن قيل: كيف نوفق بين كون السنة النبوية وحيا، وماثبت قطعاً من اجتهاده صلى الله علية وسلم في بعض القضايا الدينية والدنيوية؟.

فالجواب أن اجتهاده صلى الله عليه وسلم في بعض القضايا، لا يتنافى مع القول بأن السنة وحي؛ ذلك أن اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأمور الشرعية، يكون ابتداء بوحي، بمعنى أن الله تعالى يأمره بالاجتهاد فيما لم يوحَ إليه فيه، ثم في النهاية يؤول اجتهاده إلى الوحي، بمعنى أنه إن أصاب في اجتهاده مراد الله، فإن الوحي يقره، وإقرارُ الوحي وحي، وإن أخطأ في اجتهاده، فإن الوحي ينبهه على الخطأ، ويرشده إلى الصواب فيرجع إليه، ويصبح مانبهه عليه الوحيُ هو التشريع له ولأمته.

وعليه، فما اجتهد فيه صلى الله عليه وسلم لا يخرج عن دائرة الوحي بهذا الاعتبار، فهو إما إقرار، وإما نقل إلى ما هو صواب بعد الاجتهاد. وأما في الأمور الدنيوية فقد ينبهه الوحي، وقد ينبهه غيره من الناس على الصواب فيرجع إليه، فيكون بذلك صلى الله عليه وسلم معصوما في اجتهاده حالا أومآلا، بالإقرار، ومآلاً بالنقل إلى ما هو صواب، وهذا من خصائصه التي لايشاركه فيها غيره من المجتهدين، فغيرُه فيما اجتهد فيه، قد يكون مخطئا ويستمر على خطئه ولاينبه له، ويتوارث عنه ذلك، وقد يكون مصيبا ولا يَتيقن أنه مصيب، بخلافه صلى الله عليه وسلم فإنه فيما اجتهد فيه وأُقر عليه، فهو على يقين أنه على بينة وحق من ربه، ويجب على الأمة أن تتأسى به في


(١) المصدر نفسه.

<<  <   >  >>