ولاتظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ملكاً محجوباً عن رعيته أو سلطاناً مترفعاً عن الاختلاط بأفراد أمته، بل كان على عكس ذلك متقلباً بين ظهرانيهم يبلغ رسالة ربه ويعود مرضاهم ويشيع موتاهم ويفصل في قضاياهم ويفض منازعاتهم ويقضي على اختلافاتهم وهم في كل ذلك مقبلون عليه بآذان صاغية وقلوب واعية.
هذا ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم في حضور مجالسه العلمية سواء، بل كان منهم من يلازمه ولا يتخلف عنه في الحضر ولا في السفر كما كان من أبى بكر وأبى هريرة رضي الله عنهما. وكان منهم من يتخلف عنه في بعض الأوقات لقضاء مصالحه المعيشية كزراعة أو تجارة أو نحوها أو الخروج في سرية إلى غير ذلك، ومع ذلك فكانوا حريصين على ما فاتهم من دروس النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ما حضروا سألوا واستفسروا.
وكان من الصحابة من يشتد به الحرص على حديث رسول صلى الله عليه وسلم فيتناوب حضور مجالسه مع جار له يحضر هذا يوما وهذا يوما ثم يخبر كل منهما صاحبه عما سمعه في يومه فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أنه كان هو وجارٌ له من الأنصار يتناوبان مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبر كل منهما صاحبه بما رآه أو سمعه"(١) ، أما من بعدت عليهم الشُّقة فكانوا إذا نزلت بهم نازلة وأشكل عليهم حلها، فإنهم يضربون أكباد الإبل إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقفوا على حكم الله فيما عرض لهم من الحوادث وربما مكثوا في أسفارهم الأيام والليالي ذوات العدد.
(١) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح ١/١٨٥، كتاب العلم باب التناوب في العلم ح ٨٩.