لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم مدرسة مشيدة ولا معهد للتعليم يجلس فيه إلى أصحابه، بل كانت مجالسه العلمية كيفما اتفق فهو في الجيش معلم وواعظ يلهب القلوب بوعظه ويحمس الجنود بقوله وهو في السفر مرشد وهاد وهو في البيت يعلم أهله، وهو في المسجد مدرس وخطيب وقاض ومفت، وهو في الطريق يستوقفه أضعف الناس ليسأله عن أمر دينه فيقف، وهو على كل أحواله مرشد وناصح ومعلم، إلا أنه كثيراً ما يعقد لأصحابه المجالس العلمية بالمسجد حيث يجتمعون فيه في أغلب الأوقات لأداء فريضة الصلاة فكان يتخولهم بالموعظة والدرس تلو الدرس حتى لا يملوا ويسأموا، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا"(١) . وفي هذه المجالس كان صلى الله عليه وسلم يفيض على أصحابه من الكلم الطيب والعلم النافع والهدى الرشيد ما يشرح صدورهم ويفعم قلوبهم، وكانوا يحضرون أولادهم مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم لسماع حديثه والتأدب بآدابه وكان عليه السلام كثيراً ما يستفتى فيفتي، أو يسأل فيجيب، أو تقع أمامه الحادثة فيكشف عن حكم الله فيها، أو تنزل عليه الآية من القرآن فيفصح عن مراد الله منها، أو يقع من بعض الصحابة عمل لم يكن يعرف حكمه فيسكت إيذاناً منه بأنه جائز في الدين.
(١) أخرجه البخاري كما في الفتح ١/١٦٢، كتاب العلم، باب ما كان النبيصلى الله عليه وسلميتخولهم بالموعظة ... إلخ، وأخرجه مسلم ٤/٢١٧٢ كتاب صفات المنافقين، باب الاقتصاد في الموعظة ح ٨٢ (٢٨٢١) .