بها أكثر حديثه، إلا أن القتال كان حائلاً دون دخول كثير من القبائل في الإسلام كما كان مانعاً من وصول الدعوة إلى أطراف الجزيرة، فما أن وقع صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة حتى أمن الناس بعضهم بعضا، وجالس بعضهم بعضا وتحدثوا في شأن هذا الدين الجديد، وفي ظل هذه الهدنة المباركة دخل كثير من العرب في الإسلام وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعوثه إلى القبائل المسلمة لتعليمهم السنن والأحكام، فبعث منهم إلى اليمن وإلى البحرين وإلى حضرموت وإلى عمان وغير ذلك من بلاد العرب.
كانت هذه البعوث رسل رحمة وهداية للناس بما حملوه إليهم من القرآن والسنة اللذين هما حياة النفوس والأرواح كما كانت هذه البعوث عاملاً مهماً في نشر حديث النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين في أنحاء الجزيرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخير لهذه المهمة من كان على جانب عظيم في العلم بالقرآن والسنن وكان يزودهم بحديثه الشريف وإرشاده الحكيم ويعلمهم كيف يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، انظر إلى قوله لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن:"إنك تأتي قوماً أهل كتاب فقل لهم إن الله فرض عليكم في اليوم والليلة خمس صلوات فإن هم أطاعوك فقل: إن الله فرض عليكم في السنة صوم شهر رمضان، فإن هم أطاعوك فقل: إن الله فرض عليكم حج البيت من استطاع إليه سبيلا، فإن أطاعوك فقل: إن الله فرض عليكم في أموالكم صدقة تؤخذ من أغنيائكم فترد في فقرائكم"(١) إلخ، وبطبيعة الحال كان المبعوث يبين أحكام كل ذلك بما سمعه من حديث
(١) أخرجه مسلم ١/٥٠، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام ح ٢٩ (١٩) .