للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للعهد (١) الذي بين بني قينقاع والرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من الطبعي أن يُجْلِيَ أيُّ سلطان حازم طغمة باغية كهذه، ومع كل هذا فقد تركهم محمد صلى الله عليه وسلم واسع الأناة وراسخ الوطأة لعبد الله بن أبي حليفهم من العرب، فخرجوا من المدينة ولحقوا بأذرعات الشام (٢) .

وأما قول وات بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أجلى بني قينقاع ليفسح المجال أمام المهاجرين ليسيطروا على سوق المدينة، فيمكن الرد عليه بالقول إن الثابت أن منافذ الرزق لم تسد أمام المهاجرين منذ بداية حياتهم إلى المدينة، فقد شاركوهم إخوانهم في الدين شطر أموالهم وآثروهم بالغالي والنفيس عن طيب خاطر، وأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم قوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩] ، فمن أبعد الأمور احتمالاً أن يقدم الرسول صلى الله عليه وسلم على خطوة خطيرة كهذه لمجرد أن يفسح المجال لتجارة المهاجرين.

وما كان من أمر إجلاء بني قريظة فإنهم على الرغم من عقدهم معاهدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد تآمروا مع الجبهة المكية الغطفانية في غزوة الأحزاب موهنين بذلك الجبهة الداخلية للمجتمع المدني وغادرين بالمسلمين من وراء


(١) انظر: البيهقي، دلائل النبوة، ٢/٤١١.
(٢) ابن القيم، زاد المعاد، ٢/٧١.

<<  <   >  >>