للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الزعم لا يقوم على أساس تاريخي، فمن يقرأ في حملات الرسول صلى الله عليه وسلم على طريق الشام يدرك أنها كانت في الأساس ردا لعدوان أو درءاً لتهديد، فغزوة دومة الجندل في السنة الخامسة للهجرة لم يكن لها سبب سوى أن العرب المقيمين بدومة الجندل كانوا مصدر تهديد للمدينة وللتجار الذين كانوا يترددون بين المدينة والشام، بل إن الواقدي يذكر في مغازيه أن هؤلاء العرب تجمعوا وهَمُّوا بغزو المدينة (١) ، وعندما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين بساحتهم ولوا مدبرين، فهذه إذاً غزوة ذات غرض محدد لم تتجاوزه، ولم تكن غايتها بكل تأكيد إحراز مكاسب اقتصادية.

والذي يصدق على غزوة دومة الجندل يصدق على سرية مؤتة في السنة الثامنة للهجرة، وهذه السرية خرجت نتيجة استفزازات متكررة كان يقوم بها العرب المتحالفون مع الروم في شمال الجزيرة، وبخاصة الغساسنة الذين قتلوا الحارث بن عمير الأزدي مبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كبير بصرى، ورغم ما أبلى المسلمون في هذه الغزوة من بلاء حسن، إلا أنهم اضطروا للانسحاب أمام الحشود الهائلة من الروم وأحلافهم، ويصعب على المرء أن يتصور أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل ليجابهوا مائتي ألف مقاتل من أجل أي مكسب مادي، ولكن كان انتصاراً لدم مسلم ولدولة الإسلام التي قتل سفيرها وأُعلن عليها الحرب وفرضت عنوة (٢) .

وأما غزوة تبوك، "غزوة العُسرة" التي يقول وات محاجاً: إنها رائدة


(١) المغازي للواقدي، ١/٤٠٣.
(٢) تاريخ الطبري، ٣/١٠١ وما بعدها.

<<  <   >  >>