والصراع الذي يدخل فيه المؤمن، هو صراع الخير الذي ينشده، ويسخر له قواه، لخيره وخير الجماعة معه، وبين الشر الذي يزحمه في طريق حياته، وفي ميادين عمله، يريد أن يصرفه عن وجهته، وأن يسخره للشر، وموالات الأشرار. والإسلام في نظرته للخير والشر لا ينكر واقع الحياة، ولا يجاوز الحدود التي تجري عليها سننها.. فالإسلام يعترف بما في الحياة من خير وشر، كما يعترف بأن الإنسان في معرض الخير والشر، وأنهما يتنازعانه دائما كل منهما يريده إلى جانبه.. كما يعترف الإسلام بأن في كيان الإنسان من القوى المدركة العاقلة ما يفرق به بين الخير والشر ويميز به الطيب من الخبيث، كما يفرق بحواسه بين النور والظلام، والحلو والمر، والجميل والقبيح.. كذلك يعترف الإسلام بأن في كيان الإنسان نفسا أمارة بالسوء، وشيطانا يوسوس له بالمنكر، ويزينه له، ويعرض له الشر في صورة الخير. والخير في نظر الإسلام حق ثابت، والشر زيف عارض، أو بمعنى آخر، أن الخير يقوم على دعائم قوية ثابتة من الحق، ويستند على أسس وطيدة منه، وأن الشر ينبت من حبات الباطل، ويغتذي من سراب الزور والبهتان.
وبما أنه لا يمكن أن يأتلف الخير والشر، ويتآخى الحق والباطل، فقد كان لكل موقعه، ولكل أهله ومريدوه من الناس.. ومن هذا كان ذلك الصراع المحتدم بين الناس - أفرادا وجماعات- كل يناصر الموقع الذي أخذه من هذين الموقعين المتضادين، المتنازعين. ودعوات الرسل والأنبياء والمصلحين الراشدين من الناس، إنما هي وقوف إلى جانب الحق والخير وانتصار لهما، واستنفار لمن يستجيبون لدعوتهم، أن يكونوا تحت راية الحق والخير، وأن يعملوا بكل قواهم لهزيمة الشر والباطل، ولو وقعوا شهداء في ميدان المعركة،