الحركة هي مبعث القوة العاملة في هذا الوجود، وهي المولد الديناميكي لكل الطاقات العاملة في مسرح الحياة، وهي سر هذا التفاعل المتصل بين الكائنات جميعها، من الذرة إلى الجبل، ومن قطرة الماء إلى المحيط، ومن الجنة إلى الشجرة. فهذه التي تخلع على الحياة في كل لحظة حللا مختلفة الأشكال والأصباغ، إنما هي من نسيج الحركة، ومن صنع يديها، وأنه لولا هذه الحركة الدائبة الشاملة في هذا الكون الرحيب، لجمدت الموجودات، ولأكلها الصدأ كما يأكل الحديد، ولتحللت كما يتحلل الجسد ويتهرأ، حين تزايله الحياة، ويستولي عليه الخمود والسكون. والحركة في مظهرها صراع عنيف متصل بين الموجودات، كل موجود يريد أن يحقق ذاته، ويبرز شخصيته على نحو ما.. فبعض الموجودات يكون تحقيق ذاتها بإفناء غيرها فيها، حين يأكل الحي غيره، ويغتذي به. وبعضها يكون تحقيق ذاتها بإفناء وجودها لإحياء غيرها، كما يرى ذلك في مواقف التضحية والفداء والاستشهاد من أجل الجماعة، أو الانتصار لمبدأ كريم.. وبعض ثالث من الموجودات يكون تحقيق ذاتها بالاجتماع مع أشباهها، والانتظام معها في حركة واحدة تنتج خيرا يتقاسمه الجميع بينهم. وهكذا تتعدد صور الصراع بين الموجودات إلى أعداد لا حصر لها، حتى يكون الصراع بين الإنسان ونفسه حين تهجم عليه بأهوائها وشهواتها، تريد مسخ إنسانيته، واغتيال فطرته، فيلقاها مغالبا لها، فيغلب حسب ما عنده من رصيد الإيمان، وقوة العزيمة أو ضعفها.