للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١.نقول: إذا كان الصدر الأول للإسلام قد قدم تلك النماذج الإنسانية العظيمة الخالدة في الثبات على الحق، والاستمساك به، والذياد عن حرماته، والتفدية له بالنفس والأهل والمال - فإن مسيرة الأمة الإسلامية من مطلع الدعوة إلى اليوم لم يخل ميدانها أبدا من الأبطال المؤمنين المجاهدين في سبيل الله، العاملين على التمكين لدين الله في الأرض، الذائدين عن حرماته، مستعذبين في ذلك العذاب الدنيوي من أجل إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه، والقضاء على الآفات التي تتدسس إلى كيان الأمة الإسلامية، من الأهواء والبدع التي يسوقها إليها المضللون والمبتدعون، لتطمس معالم الطريق إلى الله ولتطفئ جذوة الإيمان المتقدة في صدور المؤمنين، بما يهب عليها من أعاصير البدع، وعواصف الفتن، وإذا المؤمنون في ليل بهيم، لا يعرفون إلى أي متجه يتجهون! ولكن الله تعالى ذو فضل على المؤمنين، حيث يهيئ لهم من بينهم من يقوم لكشف هذه الغواشي عنهم، ويستنقذ سفينتهم من أن تغرق ويغرقوا معها في متلاطم هذه الأمواج العاتية، وإذ هم على مرفأ الأمن والسلامة. {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ٢.وها هي ذي صحف التاريخ الإسلامي، حتى تلك الصحف التي غلب عليها سواد الفتن التي تلاطمت أمواجها في محيط العالم الإسلامي - هذه الصحف لم تخل أية صفحة منها من سطر أو سطور، مشرقة لداعية أو دعاة من أبطال الإسلام قاموا في الناس مقام الأنبياء في أقوامهم الذين تغشتهم غواشي الضلال، وانعقدت فوقهم ظلمات الليل الطويل، حتى كادوا يغرقون في أوحال الرجس والرذيلة - فدعوا فيهم بدعوة الله ورفعوا لهم منارات الطريق إلى الله. {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} ٣.


١ سورة آل آية: ١٤٦-١٤٧-١٤٨.
٢ سورة آية: ٣٢-٣٣.
٣ سورة الأنفال آية: ٤٢.

<<  <   >  >>