للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فَلَرُبَّمَا انْقَلَبَ الشِّمَاتُ ... فَحَلَّ بِالْقَوْمِ الشُّمُتْ

وَوُجِدَ عَلَى قَبْرٍ مَكْتُوبٌ: قَهَرْنَا مَنْ قَهَرْنَا فَصِرْنَا لِلنَّاظِرِينَ عِبْرَةً. وَعَلَى آخَرَ: مَنْ أَمَّلَ الْبَقَاءَ وَقَدْ رَأَى مَصَارِعَنَا فَهُوَ مَغْرُورٌ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مَا أَكْثَرُ مَنْ يَعْرِفُ الْحَقَّ وَلَا يُطِيعُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ لَمْ يَمُتْ لَمْ يَفُتْ. وَقَالَ بَعْضُ الصُّلَحَاءِ: لَنَا مِنْ كُلِّ مَيِّتٍ عِظَةٌ بِحَالِهِ، وَعِبْرَةٌ بِمَالِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَنْ لَمْ يَتَّعِظْ بِمَوْتِ وَلَدٍ، لَمْ يَتَّعِظْ بِقَوْلِ أَحَدٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مَا نَقَصَتْ سَاعَةٌ مِنْ أَمْسِك، إلَّا بِبِضْعَةٍ مِنْ نَفْسِك. فَأَخَذَهُ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ فَقَالَ:

إنَّ مَعَ الدَّهْرِ فَاعْلَمَنَّ غَدًا ... فَانْظُرْ بِمَا يَنْقَضِي مَجِيءُ غَدِهْ

مَا ارْتَدَّ طَرْفُ امْرِئٍ بِلَذَّتِهِ ... إلَّا وَشَيْءٌ يَمُوتُ مِنْ جَسَدِهْ

وَلَمَّا مَاتَ الْإِسْكَنْدَرُ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كَانَ الْمَلِكُ أَمْسِ أَنْطَقَ مِنْهُ الْيَوْمَ، وَهُوَ الْيَوْمَ أَوَعْظُ مِنْهُ أَمْسِ. فَأَخَذَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ:

كَفَى حُزْنًا بِدَفْنِك ثُمَّ إنِّي ... نَفَضْت تُرَابَ قَبْرِك عَنْ يَدَيَّا

وَكَانَتْ فِي حَيَاتِك لِي عِظَاتٌ ... وَأَنْتَ الْيَوْمَ أَوْعَظُ مِنْك حَيَّا

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَوْ كَانَ لِلْخَطَايَا رِيحٌ لَافْتَضَحَ النَّاسُ وَلَمْ يَتَجَالَسُوا. فَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى أَبُو الْعَتَاهِيَةِ فَقَالَ:

أَحْسَنَ اللَّهُ بِنَا ... أَنَّ الْخَطَايَا لَا تَفُوحُ

فَإِذَا الْمَسْتُورُ مِنَّا ... بَيْنَ ثَوْبَيْهِ فَضُوحُ

وَهَذَا جَمِيعُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ تَكَاشَفْتُمْ مَا تَدَافَنْتُمْ» . وَكَتَبَ رَجُلٌ إلَى أَبِي الْعَتَاهِيَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

يَا أَبَا إِسْحَاقَ إنِّي ... وَاثِقٌ مِنْك بِوُدِّكْ

فَأَعِنِّي بِأَبِي أَنْتَ ... عَلَى عَيْبِي بِرُشْدِكْ

فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ:

أَطِعْ اللَّهَ بِجَهْدِكْ ... رَاغِبًا أَوْ دُونَ جَهْدِكْ

<<  <   >  >>