[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْحِيَاء]
الْحَيَاءُ الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْحَيَاءِ: اعْلَمْ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ مَعَانٍ كَامِنَةٌ تُعْرَفُ بِسِمَاتٍ دَالَّةٍ كَمَا قَالَتْ الْعَرَبُ فِي أَمْثَالِهَا: تُخْبِرُ عَنْ مَجْهُولِهِ مَرَآتُهُ
وَكَمَا قَالَ سَلَمُ بْنُ عَمْرٍو الشَّاعِرِ،
لَا تَسْأَلْ الْمَرْءَ عَنْ خَلَائِقِهِ ... فِي وَجْهِهِ شَاهِدٌ مِنْ الْخَبَرِ
فَسِمَةُ الْخَيْرِ الدَّعَةُ وَالْحَيَاءُ، وَسِمَةُ الشَّرِّ الْقِحَةُ وَالْبَذَاءُ. وَكَفَى بِالْحَيَاءِ خَيْرًا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخَيْرِ دَلِيلًا، وَكَفَى بِالْقِحَةِ وَالْبَذَاءِ شَرًّا أَنْ يَكُونَا إلَى الشَّرِّ سَبِيلًا.
وَقَدْ رَوَى حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنْ الْإِيمَانِ، وَالْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنْ النِّفَاقِ» . وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعِيُّ فِي مَعْنَى الصَّمْتِ، وَالْبَيَانُ فِي مَعْنَى التَّشَادُقِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «إنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ» . وَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنْ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ» .
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءُ ثَوْبَهُ لَمْ يَرَ النَّاسُ عَيْبَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: حَيَاةُ الْوَجْهِ بِحَيَائِهِ، كَمَا أَنَّ حَيَاةَ الْغَرْسِ بِمَائِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ الْعُلَمَاءُ: يَا عَجَبًا كَيْفَ لَا تَسْتَحْيِي مِنْ كَثْرَةِ مَا لَا تَسْتَحْيِي وَتَبْقَى مِنْ طُولِ مَا لَا تَبْقَى. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ، وَهُوَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ:
إذَا قَلَّ مَاءُ الْوَجْهِ قَلَّ حَيَاؤُهُ ... وَلَا خَيْرَ فِي وَجْهٍ إذَا قَلَّ مَاؤُهُ
حَيَاؤُك فَاحْفَظْهُ عَلَيْك وَإِنَّمَا ... يَدُلُّ عَلَى فِعْلِ الْكَرِيمِ حَيَاؤُهُ
وَلَيْسَ لِمَنْ سُلِبَ الْحَيَاءَ صَادٌّ عَنْ قَبِيحٍ وَلَا زَاجِرٌ عَنْ مَحْظُورٍ، فَهُوَ يَقْدَمُ عَلَى مَا يَشَاءُ وَيَأْتِي مَا يَهْوَى، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ.
رَوَى شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ رِبْعِيٍّ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: يَا ابْنَ آدَمَ إذَا لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute