للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ الْقَاضِي التَّنُوخِيُّ:

إلْقَ الْعَدُوَّ بِوَجْهٍ لَا قُطُوبَ بِهِ ... يَكَادُ يَقْطُرُ مِنْ مَاءِ الْبَشَاشَاتِ

فَأَحْزَمُ النَّاسِ مَنْ يَلْقَى أَعَادِيهِ ... فِي جِسْمِ حِقْدٍ وَثَوْبٍ مِنْ مَوَدَّاتِ

الرِّفْقُ يُمْنٌ وَخَيْرُ الْقَوْلِ أَصْدَقُهُ ... وَكَثْرَةُ الْمَزْحِ مِفْتَاحُ الْعَدَاوَاتِ

وَأَنْشَدْت عَنْ الرَّبِيعِ، لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:

لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أَحْقِدْ عَلَى أَحَدٍ ... أَرَحْتُ نَفْسِي مِنْ هَمِّ الْعَدَاوَاتِ

إنِّي أُحَيِّي عَدُوِّي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ... لِأَدْفَعَ الشَّرَّ عَنِّي بِالتَّحِيَّاتِ

وَأُظْهِرُ الْبِشْرَ لِلْإِنْسَانِ أَبْغَضُهُ ... كَأَنَّمَا قَدْ حَشَى قَلْبِي مَحَبَّاتِ

النَّاسُ دَاءٌ دَوَاءُ النَّاسِ قُرْبُهُمْ ... وَفِي اعْتِزَالِهِمْ قَطْعُ الْمَوَدَّاتِ

وَلَيْسَ - وَإِنْ كَانَ بِتَأَلُّفِ الْأَعْدَاءِ مَأْمُورًا، وَإِلَى مُقَارِبَتِهِمْ مَنْدُوبًا - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُمْ رَاكِنًا، وَبِهِمْ وَاثِقًا، بَلْ يَكُونَ مِنْهُمْ عَلَى حَذَرٍ، وَمِنْ مَكْرِهِمْ عَلَى تَحَرُّزٍ، فَإِنَّ الْعَدَاوَةَ إذَا اسْتَحْكَمَتْ فِي الطِّبَاعِ صَارَتْ طَبْعًا لَا يَسْتَحِيلُ، وَجِبِلَّةً لَا تَزُولُ. وَإِنَّمَا يُسْتَكْفَى بِالتَّأَلُّفِ إظْهَارُهَا، وَيُسْتَدْفَعُ بِهِ أَضْرَارُهَا، كَالنَّارِ يُسْتَدْفَعُ بِالْمَاءِ إحْرَاقُهَا، وَيُسْتَفَادُ بِهِ إنْضَاجُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُحْرِقَةً بِطَبْعٍ لَا يَزُولُ وَجَوْهَرٍ لَا يَتَغَيَّرُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وَإِذَا عَجَزْت عَنْ الْعَدُوِّ فَدَارِهِ ... وَامْزَحْ لَهُ إنَّ الْمِزَاحَ وِفَاقُ

فَالنَّارُ بِالْمَاءِ الَّذِي هُوَ ضِدُّهَا ... تُعْطِي النِّضَاجَ وَطَبْعُهَا الْإِحْرَاقُ

[فَصْلٌ فِي الْبِرّ]

الْبِرُّ فَصْلٌ: وَأَمَّا الْبِرُّ، وَهُوَ الْخَامِسُ مِنْ أَسْبَابِ الْأُلْفَةِ فَلِأَنَّهُ يُوصِلُ إلَى الْقُلُوبِ أَلْطَافًا، وَيُثْنِيهَا مَحَبَّةً وَانْعِطَافًا. وَلِذَلِكَ نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى التَّعَاوُنِ بِهِ وَقَرَنَهُ بِالتَّقْوَى لَهُ فَقَالَ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢]

لِأَنَّ فِي

<<  <   >  >>