فَإِنْ كَانَ عَقْدُ النِّكَاحِ لِأَجْلِ الْمَالِ وَكَانَ أَقْوَى الدَّوَاعِي إلَيْهِ، فَالْمَالُ إذًا هُوَ الْمَنْكُوحُ فَإِنْ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ أَحَدُ الْأَسْبَابِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الِائْتِلَافِ جَازَ أَنْ يَلْبَثَ الْعَقْدُ وَتَدُومَ الْأُلْفَةُ فَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ وَعَرِيَ عَمَّا سِوَاهُ مِنْ الْمَوَادِّ فَأَخْلِقْ بِالْعَقْدِ أَنْ يَنْحَلَّ وَبِالْأُلْفَةِ أَنْ تَزُولَ، لَا سِيَّمَا إذَا غَلَبَ الطَّمَعُ وَقَلَّ الْوَفَاءُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنْ وُصِلَ إلَيْهِ فَقَدْ يَنْقَضِي سَبَبُ الْأُلْفَةِ بِهِ.
فَقَدْ قِيلَ: مَنْ وَدَكَّ لِشَيْءٍ تَوَلَّى مَعَ انْقِضَائِهِ. وَإِنْ أَعْوَزَ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَتَعَذَّرَتْ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ أَعْقَبَ ذَلِكَ اسْتِهَانَةَ الْآيِسِ بَعْدَ شِدَّةِ الْأَمَلِ فَحَدَثَتْ مِنْهُ عَدَاوَةُ الْخَائِبِ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ الطَّمَعِ، فَصَارَتْ الْوَصْلَةُ فُرْقَةً وَالْأُلْفَةُ عَدَاوَةً. وَقَدْ قِيلَ: مَنْ وَدَكَّ طَمَعًا فِيك أَبْغَضَك إذَا أَيِسَ مِنْك. وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: مَنْ عَظَّمَك لِإِكْثَارِك اسْتَقَلَّك عِنْدَ إقْلَالِك.
فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ رَغْبَةً فِي الْجَمَالِ، فَذَلِكَ أَدْوَمُ لِلْأُلْفَةِ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْجَمَالَ صِفَةٌ لَازِمَةٌ، وَالْمَالَ صِفَةٌ زَائِلَةٌ. وَلِذَلِكَ قِيلَ: حُسْنُ الصُّورَةِ أَوَّلُ السَّعَادَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَحْسَنُهُنَّ وَجْهًا وَأَقَلُّهُنَّ مَهْرًا» . فَإِنْ سَلِمَتْ الْحَالُ مِنْ الْإِدْلَالِ الْمُفْضِي إلَى الْمَلَالِ اسْتَدَامَتْ الْأُلْفَةُ وَاسْتَحْكَمَتْ الْوَصْلَةُ. وَقَدْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْجَمَالَ الْبَارِعَ إمَّا لِمَا يَحْدُثُ عَنْهُ مِنْ شِدَّةِ الْإِدْلَالِ وَقَدْ قِيلَ: مَنْ بَسَطَهُ الْإِدْلَالُ قَبَضَهُ الْإِذْلَالُ وَإِمَّا لِمَا يُخَافُ مِنْ مِحْنَةِ الرَّغْبَةِ، وَبَلْوَى الْمُنَازَعَةِ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا شَاوَرَ حَكِيمًا فِي التَّزَوُّجِ فَقَالَ لَهُ: افْعَلْ وَإِيَّاكَ وَالْجَمَالَ الْبَارِعَ، فَإِنَّهُ مَرْعًى أَنِيقٌ. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ:
وَلَنْ تُصَادِفَ مَرْعًى مُمْرَعًا أَبَدًا ... إلَّا وَجَدْت بِهِ آثَارَ مُنْتَجِعِ
وَإِمَّا لِمَا يَخَافُهُ اللَّبِيبُ مِنْ شِدَّةِ الصَّبْوَةِ، وَيَتَوَقَّاهُ الْحَازِمُ مِنْ سُوءِ عَوَاقِبِ الْفِتْنَةِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إيَّاكَ وَمُخَالَطَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّ لَحْظَ الْمَرْأَةِ سَهْمٌ، وَلَفْظَهَا سُمٌّ. وَرَأَى بَعْضُ الْحُكَمَاءِ صَيَّادًا يُكَلِّمُ امْرَأَةً فَقَالَ: يَا صَيَّادُ، احْذَرْ أَنْ تُصَادَ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، لِابْنِهِ: امْشِ وَرَاءَ الْأَسَدِ وَلَا تَمْشِ وَرَاءَ الْمَرْأَةِ. وَسَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute