للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

سِوَى خِلٌّ لَهُ حَسَبٌ وَدِينٌ ... فَذَاكَ لِمَا يَقُولُ هُوَ الْفَعُولُ

وَقَالَ آخَرُ: مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّهِ خِلَّتُهُ فَخَلِيلُهُ مِنْهُ عَلَى خَطَرِ.

وَالْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ مَحْمُودَ الْأَخْلَاقِ مَرَضِيَّ الْأَفْعَالِ، مُؤْثِرًا لِلْخَيْرِ آمِرًا بِهِ، كَارِهًا لِلشَّرِّ نَاهِيًا عَنْهُ، فَإِنَّ مَوَدَّةَ الشِّرِّيرِ تُكْسِبُ الْأَعْدَاءَ وَتُفْسِدُ الْأَخْلَاقَ. وَلَا خَيْرَ فِي مَوَدَّةٍ تَجْلِبُ عَدَاوَةً وَتُورِثُ مَذَمَّةً، فَإِنَّ الْمَتْبُوعَ تَابِعُ صَاحِبِهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: إخْوَانُ الشَّرِّ كَشَجَرِ النَّارِنْجِ يُحْرِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مُخَالَطَةُ الْأَشْرَارِ عَلَى خَطَرٍ، وَالصَّبْرُ عَلَى صُحْبَتِهِمْ كَرُكُوبِ الْبَحْرِ، الَّذِي مَنْ سَلِمَ مِنْهُ بِبَدَنِهِ مِنْ التَّلَفِ فِيهِ، لَمْ يَسْلَمْ بِقَلْبِهِ مِنْ الْحَذَرِ مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: صُحْبَةُ الْأَشْرَارِ تُورِثُ سُوءَ الظَّنِّ بِالْأَخْيَارِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مِنْ خَيْرِ الِاخْتِيَارِ صُحْبَةُ الْأَخْيَارِ، وَمِنْ شَرِّ الِاخْتِيَارِ صُحْبَةُ الْأَشْرَارِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

مُجَالَسَةُ السَّفِيهِ سَفَاهُ رَأْيٍ ... وَمِنْ عَقْلٍ مُجَالَسَةُ الْحَكِيمِ

فَإِنَّك وَالْقَرِينُ مَعًا سَوَاءٌ ... كَمَا قُدَّ الْأَدِيمُ مِنْ الْأَدِيمِ

وَالْخَصْلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَيْلٌ إلَى صَاحِبِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي مُؤَاخَاتِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ أَوْكَدُ لِحَالِ الْمُؤَاخَاةِ وَأَمَدُّ لِأَسْبَابِ الْمُصَافَاةِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ مَطْلُوبٍ إلَيْهِ طَالِبًا وَلَا كُلُّ مَرْغُوبٍ إلَيْهِ رَاغِبًا. وَمَنْ طَلَبَ مَوَدَّةَ مُمْتَنِعٍ عَلَيْهِ، وَرَغِبَ إلَى زَاهِدٍ فِيهِ، كَانَ مُعَنًّى خَائِبًا، كَمَا قَالَ الْبُحْتُرِيُّ:

وَطَلَبْت مِنْك مَوَدَّةً لَمْ أُعْطَهَا ... إنَّ الْمُعَنَّى طَالِبٌ لَا يَظْفَرُ

وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْأَحْنَفِ:

فَإِنْ كَانَ لَا يُدْنِيك إلَّا شَفَاعَةٌ ... فَلَا خَيْرَ فِي وُدٍّ يَكُونُ بِشَافِعِ

<<  <   >  >>