حُبًّا» . وَقَالَ لَبِيدٌ:
تَوَقَّفْ عَنْ زِيَارَةِ كُلِّ يَوْمٍ ... إذَا أَكْثَرْت مَلَّكَ مَنْ تَزُورُ
وَقَالَ آخَرُ:
أَقْلِلْ زِيَارَتَك الصَّدِيقَ وَلَا تُطِلْ ... هِجْرَانَهُ فَيَلِجَّ فِي هِجْرَانِهِ
إنَّ الصَّدِيقَ يَلِجُّ فِي غَشَيَانِهِ ... لِصَدِيقِهِ فَيَمَلُّ مِنْ غَشَيَانِهِ
حَتَّى يَرَاهُ بَعْدَ طُولِ سُرُورِهِ ... بِمَكَانِهِ مُتَثَاقِلًا بِمَكَانِهِ
وَإِذَا تَوَانَى عَنْ صِيَانَةِ نَفْسِهِ ... رَجُلٌ تُنُقِّصَ وَاسْتُخِفَّ بِشَانِهِ
وَبِحَسَبِ ذَلِكَ فَلْيَكُنْ فِي عِتَابِهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْعِتَابِ سَبَبٌ لِلْقَطِيعَةِ وَإِطْرَاحَ جَمِيعِهِ دَلِيلٌ عَلَى قِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ بِأَمْرِ الصَّدِيقِ. وَقَدْ قِيلَ: عِلَّةُ الْمُعَادَاةِ قِلَّةُ الْمُبَالَاةِ. بَلْ تُتَوَسَّطُ حَالَتَا تَرْكِهِ وَعِتَابِهِ فَيُسَامِحُ بِالْمُتَارَكَةِ وَيُسْتَصْلَحُ بِالْمُعَاتَبَةِ، فَإِنَّ الْمُسَامَحَةَ وَالِاسْتِصْلَاحَ إذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَلْبَثْ مَعَهُمَا نُفُورٌ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُمَا وَجْدٌ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا تُكْثِرَنَّ مُعَاتَبَةَ إخْوَانِك، فَيَهُونَ عَلَيْهِمْ سَخَطُك. وَقَالَ مَنْصُورٌ النَّمَرِيُّ:
أَقْلِلْ عِتَابَ مَنْ اسْتَرَبْت بِوُدِّهِ ... لَيْسَتْ تُنَالُ مَوَدَّةٌ بِعِتَابِ
وَقَالَ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ:
إذَا كُنْت فِي كُلِّ الْأُمُورِ مُعَاتِبًا ... صَدِيقَك لَمْ تَلْقَ الَّذِي لَا تُعَاتِبُهْ
وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَشْرَبْ مِرَارًا عَلَى الْقَذَى ... ظَمِئْتَ وَأَيُّ النَّاسِ تَصْفُو مَشَارِبُهْ
فَعِشْ وَاحِدًا أَوْ صِلْ أَخَاك فَإِنَّهُ ... مُقَارِفُ ذَنْبٍ مَرَّةً وَمُجَانِبُهْ
ثُمَّ إنَّ مِنْ حَقِّ الْإِخْوَانِ أَنْ تَغْفِرَ هَفْوَتَهُمْ، وَتَسْتُرَ زَلَّتَهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ رَامَ بَرِيئًا مِنْ الْهَفَوَاتِ، سَلِيمًا مِنْ الزَّلَّاتِ، رَامَ أَمْرًا مُعْوِزًا، وَاقْتَرَحَ وَصْفًا مُعْجِزًا. وَقَدْ قَالَتْ الْحُكَمَاءُ: أَيُّ عَالِمٍ لَا يَهْفُو، وَأَيُّ صَارِمٍ لَا يَنْبُو، وَأَيُّ جَوَادٍ لَا يَكْبُو. وَقَالُوا: مَنْ حَاوَلَ صَدِيقًا يَأْمَنُ زَلَّتَهُ وَيَدُومُ اغْتِبَاطُهُ بِهِ، كَانَ كَضَالِّ الطَّرِيقِ الَّذِي لَا يَزْدَادُ لِنَفْسِهِ إتْعَابًا إلَّا ازْدَادَ مِنْ غَايَتِهِ بُعْدًا. وَقِيلَ لِخَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ: أَيُّ إخْوَانِك أَحَبُّ إلَيْك؟ قَالَ: مَنْ غَفَرَ زَلَلِي، وَقَطَعَ