للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فَيُحْمَدُ، أَوْ خَارِجًا عَنْهُ فَيُذَمُّ. وَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا هُوَ السَّخِيُّ طَبْعًا وَالْجَوَادُ كَرَمًا وَهُوَ أَحَقُّ مَنْ كَانَ بِهِ مَمْدُوحًا وَإِلَيْهِ مَنْسُوبًا، وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ:

مِنْ غَيْرِ مَا سَبَبٍ يُدْنِي كَفَى سَبَبًا ... لِلْحُرِّ أَنْ يَجْتَدِي حُرًّا بِلَا سَبَبِ

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ: إذَا لَمْ أُعْطِ إلَّا مُسْتَحِقًّا فَكَأَنَّ أَعْطَيْت غَرِيمًا. وَقَالَ: الشَّرَفُ فِي السَّرَفِ، فَقِيلَ لَهُ: لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ. فَقَالَ: وَلَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ.

وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ: الْعَجَبُ لِمَنْ يَرْجُو مَنْ فَوْقَهُ كَيْفَ يَحْرِمُ مَنْ دُونَهُ. وَقَالَ بَشَّارٌ:

وَمَا النَّاسُ إلَّا صَاحِبَاك فَمِنْهُمْ ... سَخِيٌّ وَمَغْلُولُ الْيَدَيْنِ مِنْ الْبُخْلِ

فَسَامِحْ يَدًا مَا أَمْكَنَتْك فَإِنَّهَا ... تَقِلُّ وَتَثْرِي وَالْعَوَاذِلُ فِي شُغْلِ

وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا خَارِجٌ مِنْ السَّخَاءِ الْمَحْمُودِ إلَى السَّرَفِ وَالتَّبْذِيرِ الْمَذْمُومِ؛ لِأَنَّ الْعَطَاءَ إذَا كَانَ لِغَيْرِ سَبَبٍ كَانَ الْمَنْعُ لِغَيْرِ سَبَبٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَقِلُّ عَنْ الْحُقُوقِ وَيُقَصِّرُ عَنْ الْوَاجِبَاتِ فَإِذَا أَعْطَى غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ فَقَدْ يَمْنَعُ مُسْتَحِقًّا وَمَا يَنَالُهُ مِنْ الذَّمِّ بِمَنْعِ الْمُسْتَحِقِّ أَكْثَرُ مِمَّا يَنَالُهُ مِنْ الْحَمْدِ لِإِعْطَاءِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ. وَحَسْبُك ذَمًّا بِمَنْ كَانَتْ أَفْعَالُهُ تَصْدُرُ عَنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ، وَتُوجَدُ لِغَيْرِ عِلَّةٍ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: ٢٩] .

فَنَهَى عَنْ بَسْطِهَا سَرَفًا، كَمَا نَهَى عَنْ قَبْضِهَا بُخْلًا، فَدَلَّ عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ ذَمًّا وَعَلَى اتِّفَاقِهِمَا لَوْمًا. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وَكَانَ الْمَالُ يَأْتِينَا فَكُنَّا ... نُبَذِّرُهُ وَلَيْسَ لَنَا عُقُولُ

فَلَمَّا أَنْ تَوَلَّى الْمَالُ عَنَّا ... عَقَلْنَا حِينَ لَيْسَ لَنَا فُضُولُ

قَالُوا: وَلِأَنَّ الْعَطَاءَ وَالْمَنْعَ إذَا كَانَا لِغَيْرِ عِلَّةٍ أَفْضَيَا إلَى ذَمِّ الْمَمْنُوعِ وَقِلَّةِ شُكْرِ الْمُعْطِي. أَمَّا الْمَمْنُوعُ فَلِأَنَّهُ قَدْ فَضَّلَ عَلَيْهِ مَنْ سِوَاهُ، وَأَمَّا الْمُعْطِي فَإِنَّهُ وَجَدَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا وَرُبَّمَا أَمَلَ بِالِاتِّفَاقِ أَضْعَافًا، فَصَارَ ذَلِكَ مُفْضِيًا

<<  <   >  >>