خَزَنَ الْبَخِيلُ عَلَيَّ صَالِحَهُ ... إذْ لَمْ يُثْقِلْ بِرُّهُ ظَهْرِي
مَا فَاتَنِي خَيْرُ امْرِئٍ وَضَعَتْ ... عَنِّي يَدَاهُ مُؤْنَةَ الشُّكْرِ
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّدِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ سَبِيلٌ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ مُضِرًّا عَجَّلَ بَذْلَهُ، وَقَطَعَ مَطْلَهُ.
وَكَانَتْ إجَابَتُهُ فِعْلًا، وَقَوْلُهُ عَمَلًا.
وَقَدْ قَالَتْ الْحُكَمَاءُ: مِنْ مُرُوءَةِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ أَنْ لَا يَلْجَأَ إلَى إلْحَاحٍ عَلَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ:
وَمُنْتَظِرٌ سُؤَالَك بِالْعَطَايَا ... وَأَشْرَفُ مِنْ عَطَايَاهُ السُّؤَالْ
إذَا لَمْ يَأْتِك الْمَعْرُوفُ طَوْعًا ... فَدَعْهُ فَالتَّنَزُّهُ عَنْهُ مَالْ
وَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ مُهْلَةٌ، وَفِي التَّأْخِيرِ فُسْحَةٌ، فَقَدْ اخْتَلَفَتْ مَذَاهِبُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ.
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَعْجِيلُ الْوَعْدِ قَوْلًا، ثُمَّ يَعْقُبُهُ الْإِنْجَازُ فِعْلًا، لِيَكُونَ السَّائِلُ مَسْرُورًا بِتَعْجِيلِ الْوَعْدِ ثُمَّ بِآجِلِ الْإِنْجَازِ، وَيَكُونُ الْمَسْئُولُ مَوْصُوفًا بِالْكَرَمِ مَلْحُوظًا بِالْوَفَاءِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْعِدَةُ عَطِيَّةٌ» . وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ حَاجَةً: أَعِدُك الْيَوْمَ وَأَحْبُوك غَدًا بِالْإِنْجَازِ لِتَذُوقَ حَلَاوَةَ الْأَمَلِ وَأَتَزَيَّنُ بِثُبُوتِ الْوَفَاءِ.
وَوَعَدَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ رَجُلًا بِحَاجَةٍ سَأَلَهُ إيَّاهَا فَقِيلَ لَهُ: تَعِدُ وَأَنْتَ قَادِرٌ؟ فَقَالَ: إنَّ الْحَاجَةَ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهَا وَعْدٌ يَنْتَظِرُ صَاحِبُهُ نُجْحَهُ لَمْ يَجِدْ سُرُورَهَا؛ لِأَنَّ الْوَعْدَ طُعْمٌ وَالْإِنْجَازَ طَعَامٌ، وَلَيْسَ مَنْ فَاجَأَهُ الطَّعَامُ كَمَنْ يَجِدُ رِيحَهُ وَيَطْعَمُهُ فَدَعْ الْحَاجَةَ تَخْتَمِرُ بِالْوَعْدِ؛ لِيَكُونَ لَهَا طَعْمٌ عِنْدَ الْمُصْطَنَعِ إلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: إذَا أَحْسَنْت الْقَوْلَ فَأَحْسِنْ الْفِعْلَ؛ لِيَجْتَمِعَ لَك ثَمَرَةُ اللِّسَانِ وَثَمَرَةُ الْإِحْسَانِ، وَلَا تَقُلْ مَا لَا تَفْعَلُ فَإِنَّك لَا تَخْلُو فِي ذَلِكَ مِنْ ذَنْبٍ تَكْسِبُهُ، أَوْ عَجْزٍ تَلْتَزِمُهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ تَعْجِيلَ الْبَذْلِ فِعْلًا مِنْ غَيْرِ وَعْدٍ أَوْلَى، وَتَقْدِيمَهُ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ وَلَا انْتِظَارٍ أَحْرَى، وَإِنَّمَا يُقَدِّمُ الْوَعْدَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إمَّا مَعُوزٌ يَنْتَظِرُ وَجْدَهُ، وَإِمَّا شَحِيحٌ يُرَوِّضُ نَفْسَهُ تَوْطِئَةً. وَلَيْسَ لِلْوَعْدِ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَجْهٌ يَصِحُّ وَلَا رَأْيٌ يَتَّضِحُ، مَعَ مَا يُغَيِّرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute