للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كَثِيرًا مَا يَتَمَثَّلُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ:

الْمَالُ يُنْقَدُ حِلُّهُ وَحَرَامُهُ ... يَوْمًا وَيَبْقَى بَعْدَ ذَاكَ آثَامُهُ

لَيْسَ التَّقِيُّ بِمُتَّقٍ لِإِلَهِهِ ... حَتَّى يَطِيبَ شَرَابُهُ وَطَعَامُهُ

وَيَطِيبَ مَا يَجْنِي وَيَكْسِبَ أَهْلُهُ ... وَيَطِيبَ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ كَلَامُهُ

نَطَقَ النَّبِيُّ لَنَا بِهِ عَنْ رَبِّهِ ... فَعَلَى النَّبِيِّ صَلَاتُهُ وَسَلَامُهُ

وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمُعْتَمِرِ السُّلَمِيِّ قَالَ: النَّاسُ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: أَغْنِيَاءٌ وَفُقَرَاءُ وَأَوْسَاطُ.

فَالْفُقَرَاءُ مَوْتَى إلَّا مَنْ أَغْنَاهُ اللَّهُ بِعِزِّ الْقَنَاعَةِ، وَالْأَغْنِيَاءُ سُكَارَى إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَوَقُّعِ الْغِيَرِ. وَأَكْثَرُ الْخَيْرِ مَعَ أَكْثَرِ الْأَوْسَاطِ، وَأَكْثَرُ الشَّرِّ مَعَ أَكْثَرِ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ؛ لِسُخْفِ الْفَقْرِ وَبَطْرِ الْغَنِيِّ.

وَالْأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ يُقَصِّرَ عَنْ طَلَبِ كِفَايَتِهِ، وَيَزْهَدَ فِي الْتِمَاسِ مَادَّتِهِ. وَهَذَا التَّقْصِيرُ قَدْ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فَيَكُونُ تَارَةً كَسَلًا، وَتَارَةً تَوَكُّلًا، وَتَارَةً زُهْدًا وَتَقَنُّعًا. فَإِنْ كَانَ تَقْصِيرُهُ لِكَسَلٍ فَقَدْ حُرِمَ ثَرْوَةُ النَّشَاطِ، وَمَرَحُ الِاغْتِبَاطِ، فَلَنْ يَعْدَمَ أَنْ يَكُونَ كَلًّا قَصِيًّا، أَوْ ضَائِعًا شَقِيًّا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «كَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَغْلِبَ الْقَدَرَ، وَكَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا» . وَقَالَ بَزَرْجَمْهَرُ: إنْ كَانَ شَيْءٌ فَوْقَ الْحَيَاةِ فَالصِّحَّةُ. وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِثْلَهَا فَالْغِنَى، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ فَوْقَ الْمَوْتِ فَالْمَرَضُ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِثْلَهُ فَالْفَقْرُ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الْقَبْرُ خَيْرٌ مِنْ الْفَقْرِ. وَوُجِدَ فِي نِيلِ مِصْرَ مَكْتُوبٌ عَلَى حَجَرٍ:

عُقْبُ الصَّبْرِ نَجَاحٌ وَغِنًى ... وَرِدَاءُ الْفَقْرِ مِنْ نَسْجِ الْكَسَلِ

وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

أَعُوذُ بِك اللَّهُمَّ مِنْ بَطَرِ الْغِنَى ... وَمِنْ نَكْهَةِ الْبَلْوَى وَمِنْ ذِلَّةِ الْفَقْرِ

وَمِنْ أَمَلٍ يَمْتَدُّ فِي كُلِّ شَارِفٍ ... يُرْجِعُنِي مِنْهُ بِحَظِّ يَدٍ صِفْرِ

إذَا لَمْ تُدَنِّسْنِي الذُّنُوبُ بِعَارِهَا ... فَلَسْتُ أُبَالِي مَا تَشَعَّثَ مِنْ أَمْرِي

وَإِذَا كَانَ تَقْصِيرُهُ لِتَوَكُّلٍ فَذَلِكَ عَجْزٌ قَدْ أَعْذَرَ بِهِ نَفْسَهُ، وَتَرْكُ حَزْمٍ قَدْ

<<  <   >  >>