أَدْنَتْنِي مِنْهَا فَقَدْ صَانَتْنِي عَنْهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أَصْلَحَ مَالَهُ فَقَدْ صَانَ الْأَكْرَمَيْنِ: الدِّينُ وَالْعِرْضُ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مَنْ اسْتَغْنَى كَرُمَ عَلَى أَهْلِهِ.
وَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَتَحَرَّكَ لَهُ وَأَكْرَمَهُ فَقِيلَ لَهُ: بَعْدَ ذَلِكَ أَكَانَتْ لَك إلَى هَذَا حَاجَةٌ؟ قَالَ لَا. وَلَكِنِّي رَأَيْت ذَا الْمَالِ مَهِيبًا. وَسَأَلَ رَجُلٌ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدَ وَعَتَّابَ بْنَ وَرْقَاءَ فِي عَشْرِ دِيَاتٍ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيَّ دِيَةٌ. وَقَالَ عَتَّابٌ: الْبَاقِي عَلَيَّ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: نِعْمَ الْعَوْنُ الْيَسَارُ عَلَى الْمَجْدِ. وَقَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ:
فَلَوْ كُنْتُ مُثْرًى بِمَالٍ كَثِيرٍ ... لَجُدْتُ وَكُنْتُ لَهُ بَاذِلَا
فَإِنَّ الْمُرُوءَةَ لَا تُسْتَطَاعُ ... إذَا لَمْ يَكُنْ مَالُهَا فَاضِلًا
وَكَانَ يُقَالُ: الدَّرَاهِمُ مَرَاهِمُ؛ لِأَنَّهَا تُدَاوِي كُلَّ جُرْحٍ، وَيَطِيبُ بِهَا كُلُّ صُلْحٍ. وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّالِ:
رُزِقْتُ مَالًا وَلَمْ أُرْزَقْ مُرُوءَتَهُ ... وَمَا الْمُرُوءَةُ إلَّا كَثْرَةُ الْمَالِ
إذَا أَرَدْتُ رُقَى الْعَلْيَاءِ يُقْعِدُنِي ... عَمَّا يُنَوِّهُ بِاسْمِي رِقَّةُ الْحَالِ
وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ الْفَقْرُ مَخْذَلَةٌ، وَالْغِنَى مَجْدَلَةٌ، وَالْبُؤْسُ مَرْذَلَةٌ، وَالسُّؤَالُ مَبْذَلَةٌ. وَقَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ:
أُقِيمُ بِدَارِ الْحَزْمِ مَا دَامَ حَزْمُهَا ... وَأَحْرَى إذَا حَالَتْ بِأَنْ أَتَحَوَّلَا
فَإِنِّي وَجَدْتُ النَّاسَ إلَّا أَقَلَّهُمْ ... خِفَافَ عُهُودٍ يُكْثِرُونَ التَّثَقُّلَا
بَنِي أُمِّ ذِي الْمَالِ الْكَثِيرِ يَرَوْنَهُ ... وَإِنْ كَانَ عَبْدًا سَيِّدَ الْأَمْرِ جَحْفَلَا
وَهُمْ لِمُقِلِّ الْمَالِ أَوْلَادُ عِلَّةٍ ... وَإِنْ كَانَ مَحْضًا فِي الْعَشِيرَةِ مِخْوَلَا
وَقَالَ بِشْرٌ الضَّرِيرُ:
كَفَى حُزْنًا أَنِّي أَرُوحُ وَأَغْتَدِي ... وَمَا لِي مِنْ مَالٍ أَصُونُ بِهِ عِرْضِي
وَأَكْثَرُ مَا أَلْقَى الصَّدِيقَ بِمَرْحَبًا ... وَذَلِكَ لَا يَكْفِي الصَّدِيقَ وَلَا يُرْضِي
وَقَالَ آخَرُ:
أَجَلَّك قَوْمٌ حِينَ صِرْتَ إلَى الْغِنَى ... وَكُلُّ غَنِيٍّ فِي الْعُيُونِ جَلِيلُ