للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الْأَرْزَاقَ، فَفَعَلَ فَسَاءَتْ حَالُهُمْ فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ فَقَالُوا: أَقِلْنَا. فَكَتَبَ إلَى الْحَجَّاجِ فِيهِمْ فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنْ كُنْت آنَسْتَ مِنْهُمْ رُشْدًا فَأَجْرِ عَلَيْهِمْ مَا كُنْتَ تُجْرِي. وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَقْرَ جُنْدُ اللَّهِ الْأَكْبَرَ يُذِلُّ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ يَتَكَبَّرُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذَلَّ ابْنَ آدَمَ بِثَلَاثٍ مَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ لِشَيْءٍ: الْفَقْرُ، وَالْمَرَضُ، وَالْمَوْتُ» .

وَمِنْهَا: الْفَقْرُ فَقَدْ يَتَغَيَّرُ بِهِ الْخُلُقُ إمَّا أَنَفَةً مِنْ ذُلِّ الِاسْتِكَانَةِ أَوْ أَسَفًا عَلَى فَائِتِ الْغِنَى.

وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، وَكَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَغْلِبَ الْقَدَرَ» .

وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ:

وَأَعْجَبُ حَالَاتِ ابْنِ آدَمَ خَلْقُهُ ... يَضِلُّ إذَا فَكَّرْتَ فِي كُنْهِهِ الْفِكْرُ

فَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ بَقَاؤُهُ ... وَيَجْزَعُ مِمَّا صَارَ وَهُوَ لَهُ ذُخْرُ

وَرُبَّمَا تَسَلَّى مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْأَمَانِي، وَإِنْ قَلَّ صِدْقُهَا.

فَقَدْ قِيلَ: قَلَّمَا تَصْدُقُ الْأُمْنِيَّةُ وَلَكِنْ قَدْ يُعْتَاضُ بِهَا سَلْوَةً مِنْ هَمٍّ أَوْ مَسَرَّةٍ بِرَجَاءٍ. وَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:

حَرِّكْ مُنَاك إذَا اغْتَمَمْت ... فَإِنَّهُنَّ مَرَاوِحُ

وَقَالَ آخَرُ:

إذَا تَمَنَّيْت بِتَّ اللَّيْلَ مُغْتَبِطًا ... إنَّ الْمُنَى رَأْسُ أَمْوَالِ الْمَفَالِيسِ

وَمِنْهَا الْهُمُومُ الَّتِي تُذْهِلُ اللُّبَّ، وَتَشْغَلُ الْقَلْبَ، فَلَا تَتْبَعُ الِاحْتِمَالَ وَلَا تَقْوَى عَلَى صَبْرٍ. وَقَدْ قِيلَ: الْهَمُّ كَالسُّمِّ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: الْحُزْنُ كَالدَّاءِ الْمَخْزُونِ فِي فُؤَادِ الْمَحْزُونِ.

وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

هُمُومُك بِالْعَيْشِ مَقْرُونَةٌ ... فَمَا تَقْطَعُ الْعَيْشَ إلَّا بِهِمْ

إذَا تَمَّ أَمْرٌ بَدَا نَقْصُهُ ... تَرَقَّبْ زَوَالًا إذَا قِيلَ تَمْ

إذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا ... فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ تُزِيلُ النِّعَمْ

وَحَامِ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الْإِلَهِ ... فَإِنَّ الْإِلَهَ سَرِيعُ النِّقَمْ

حَلَاوَةُ دُنْيَاك مَسْمُومَةٌ ... فَمَا تَأْكُلُ الشَّهْدَ إلَّا بِسُمْ

فَكَمْ قَدَرٌ دَبَّ فِي مُهْلَةٍ ... فَلَمْ يَعْلَمْ النَّاسُ حَتَّى هَجَمْ

<<  <   >  >>