وَالْأَقَارِبِ، وَيَخْتَصُّ بِالْمُخَالِطِ وَالْمُصَاحِبِ، لَكَانَتْ النَّزَاهَةُ عَنْهُ كَرَمًا، وَالسَّلَامَةُ مِنْهُ مَغْنَمًا. فَكَيْفَ وَهُوَ بِالنَّفْسِ مُضِرٌّ، وَعَلَى الْهَمِّ مُصِرٌّ، حَتَّى رُبَّمَا أَفْضَى بِصَاحِبِهِ إلَى التَّلَفِ مِنْ غَيْرِ نِكَايَةٍ فِي عَدُوٍّ وَلَا إضْرَارٍ بِمَحْسُودِ.
وَقَدْ قَالَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَيْسَ فِي خِصَالِ الشَّرِّ أَعْدَلُ مِنْ الْحَسَدِ، يَقْتُلُ الْحَاسِدَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَحْسُودِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: يَكْفِيك مِنْ الْحَاسِدِ أَنَّهُ يَغْتَمُّ فِي وَقْتِ سُرُورِك. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: عُقُوبَةُ الْحَاسِدِ مِنْ نَفْسِهِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: قُلْتُ لِأَعْرَابِيٍّ: مَا أَطْوَلَ عُمُرَك، قَالَ: تَرَكْتُ الْحَسَدَ فَبَقِيتُ. وَقَالَ رَجُلٌ لِشُرَيْحٍ الْقَاضِي: إنِّي لَأَحْسُدُك عَلَى مَا أَرَى مِنْ صَبْرِك عَلَى الْخُصُومِ، وَوُقُوفِك عَلَى غَامِضِ الْحُكْمِ. فَقَالَ: مَا نَفَعَك اللَّهُ بِذَلِكَ وَلَا ضَرَّنِي.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
اصْبِرْ عَلَى كَيْدِ الْحَسْوِ ... دِ فَإِنَّ صَبْرَكَ قَاتِلُهُ
فَالنَّارُ تَأْكُلُ بَعْضَهَا ... إنْ لَمْ تَجِدْ مَا تَأْكُلُهُ
وَحَقِيقَةُ الْحَسَدِ شِدَّةُ الْأَسَى عَلَى الْخَيْرَاتِ تَكُونُ لِلنَّاسِ الْأَفَاضِلِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُنَافَسَةِ، وَرُبَّمَا غَلِطَ قَوْمٌ فَظَنُّوا أَنَّ الْمُنَافَسَةَ فِي الْخَيْرِ هِيَ الْحَسَدُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ظَنُّوا؛ لِأَنَّ الْمُنَافَسَةَ طَلَبُ التَّشَبُّهِ بِالْأَفَاضِلِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ ضَرَرٍ عَلَيْهِمْ.
وَالْحَسَدُ مَصْرُوفٌ إلَى الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَعْدَمَ الْأَفَاضِلُ فَضْلَهُمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ الْفَضْلُ لَهُ، فَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُنَافَسَةِ وَالْحَسَدِ. فَالْمُنَافَسَةُ إذًا فَضِيلَةٌ؛ لِأَنَّهَا دَاعِيَةٌ إلَى اكْتِسَابِ الْفَضَائِلِ وَالِاقْتِدَاءِ بِأَخْيَارِ الْأَفَاضِلِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ يَغْبِطُ وَالْمُنَافِقُ يَحْسُدُ» . وَقَالَ الشَّاعِرُ:
نَافِسْ عَلَى الْخَيْرَاتِ أَهْلَ الْعُلَا ... فَإِنَّمَا الدُّنْيَا أَحَادِيثُ
كُلُّ امْرِئٍ فِي شَأْنِهِ كَادِحٌ ... فَوَارِثٌ مِنْهُمْ وَمَوْرُوثُ
وَاعْلَمْ أَنَّ دَوَاعِيَ الْحَسَدِ ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهُمَا: بُغْضُ الْمَحْسُودِ فَيَأْسَى عَلَيْهِ بِفَضِيلَةٍ تَظْهَرُ، أَوْ مَنْقَبَةٍ تُشْكَرُ، فَيُثِيرُ حَسَدًا قَدْ خَامَرَ بُغْضًا. وَهَذَا النَّوْعُ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute