لَوْلَا اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ ... مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ
لَوْلَا التَّخَوُّفُ لِلْعَوَاقِبِ لَمْ يَزَلْ ... لِلْحَاسِدِ النُّعْمَى عَلَى الْمَحْسُودِ
فَأَمَّا مَا يَسْتَعْمِلُهُ مَنْ كَانَ غَالِبًا عَلَيْهِ الْحَسَدُ، وَكَانَ طَبْعُهُ إلَيْهِ مَائِلًا لِيَنْفِيَ عَنْهُ وَيُكْفَاهُ وَيَسْلَمُ مِنْ ضَرَرِهِ وَعَدَاوَتِهِ، فَأُمُورٌ هِيَ لَهُ حَسْمٌ إنْ صَادَفَهَا عَزْمٌ. فَمِنْهَا: اتِّبَاعُ الدِّينِ فِي اجْتِنَابِهِ، وَالرُّجُوعِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي آدَابِهِ، فَيَقْهَرُ نَفْسَهُ عَلَى مَذْمُومِ خُلُقِهَا، وَيَنْقُلُهَا عَنْ لَئِيمِ طَبْعِهَا. وَإِنْ كَانَ نَقْلُ الطِّبَاعِ عَسِرًا لَك بِالرِّيَاضَةِ وَالتَّدْرِيجِ يَسْهُلُ مِنْهَا مَا اُسْتُصْعِبَ، وَيُحَبَّبُ مِنْهَا مَا أَتْعَبَ وَإِنْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَائِلِ: مَنْ رَبُّهُ خَلَقَهُ كَيْفَ يُخَلِّي خَلْقَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا عَانَى تَهْذِيبَ نَفْسِهِ تَظَاهَرَ بِالتَّخَلُّقِ دُونَ الْخُلُقِ، ثُمَّ بِالْعَادَةِ يَصِيرُ كَالْخُلُقِ. قَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ:
فَلَمْ أَجِدْ الْأَخْلَاقَ إلَّا تَخَلُّقًا ... وَلَمْ أَجِدْ الْأَفْضَالَ إلَّا تَفَضُّلَا
وَمِنْهَا: الْعَقْلُ الَّذِي يَسْتَقْبِحُ بِهِ مِنْ نَتَائِجِ الْحَسَدِ مَا لَا يُرْضِيهِ، وَيَسْتَنْكِفُ مِنْ هُجْنَةِ مُسَاوِيهِ، فَيُذَلِّلُ نَفْسَهُ أَنَفَةً، وَيَقْهَرُهَا حَمِيَّةً، فَتُذْعِنُ لِرُشْدِهَا، وَتُجِيبُ إلَى صَلَاحِهَا. وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ لِذِي النَّفْسِ الْأَبِيَّةِ، وَالْهِمَّةِ الْعَلِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ ذُو الْهِمَّةِ يَجِلُّ عَنْ دَنَاءَةِ الْحَسَدِ. وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَبِيٌّ لَهُ نَفْسَانِ نَفْسٌ زَكِيَّةُ ... وَنَفْسٌ إذَا مَا خَافَتْ الظُّلْمَ تُشْمِسُ
وَمِنْهَا: أَنْ يَسْتَدْفِعَ ضَرَرَهُ، وَيَتَوَقَّى أَثَرَهُ، وَيَعْلَمَ أَنَّ مَكَانَتَهُ فِي نَفْسِهِ أَبْلُغُ وَمِنْ الْحَسَدِ أَبْعَدُ، فَيَسْتَعْمِلُ الْحَزْمَ فِي دَفْعِ مَا كَدَّهُ وَأَكْمَدَهُ لِيَكُونَ أَطْيَبَ نَفْسًا وَأَهْنَأَ عَيْشًا. وَقَدْ قِيلَ: الْعَجَبُ لِغَفْلَةِ الْحُسَّادِ عَنْ سَلَامَةِ الْأَجْسَادِ. وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
بَصِيرٌ بِأَعْقَابِ الْأُمُورِ كَأَنَّمَا ... يَرَى بِصَوَابِ الرَّأْيِ مَا هُوَ وَاقِعُ
وَمِنْهَا: مَا يَرَى مِنْ نُفُورِ النَّاسِ عَنْهُ وَبُعْدِهِمْ مِنْهُ فَيَخَافُهُمْ إمَّا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةٍ، أَوْ عَلَى عِرْضِهِ مِنْ مَلَامَةٍ، فَيَتَأَلَّفُهُمْ بِمُعَالَجَةِ نَفْسِهِ وَيَرَاهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute