للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الْيَأْسِ خَرَقٌ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ فَشَكَرَ، وَمُنِعَ فَصَبَرَ، وَظُلِمَ فَغَفَرَ، وَظَلَمَ فَاسْتَغْفَرَ، فَأُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ» . وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: اجْعَلْ مَا طَلَبْته مِنْ الدُّنْيَا فَلَمْ تَنَلْهُ مِثْلَ مَا لَا يَخْطُرُ بِبَالِك فَلَمْ تَقُلْهُ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

إذَا مَلَكَ الْقَضَاءُ عَلَيْك أَمْرًا ... فَلَيْسَ يَحِلُّهُ غَيْرُ الْقَضَاءِ

فَمَا لَك وَالْمُقَامُ بِدَارِ ذُلٍّ ... وَدَارُ الْعِزِّ وَاسِعَةُ الْفَضَاءِ

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إنْ كُنْت تَجْزَعُ عَلَى مَا فَاتَ مِنْ يَدِك فَاجْزَعْ عَلَى مَا لَا يَصِلُ إلَيْك. فَأَخَذَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ:

لَا تُطِلْ الْحُزْنَ عَلَى فَائِتٍ ... فَقَلَّمَا يُجْدِي عَلَيْكَ الْحَزَنْ

سِيَّانِ مَحْزُونٌ عَلَى فَائِتٍ ... وَمُضْمِرٌ حُزْنًا لِمَا لَمْ يَكُنْ

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: الصَّبْرُ فِيمَا يُخْشَى حُدُوثُهُ مِنْ رَهْبَةٍ يَخَافُهَا، أَوْ يَحْذَرُ حُلُولَهُ مِنْ نَكْبَةٍ يَخْشَاهَا فَلَا يَتَعَجَّلْ هَمَّ مَا لَمْ يَأْتِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْهُمُومِ كَاذِبَةٌ وَإِنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ الْخَوْفِ مَدْفُوعٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «بِالصَّبْرِ يُتَوَقَّعُ الْفَرْجُ وَمَنْ يُدْمِنُ قَرْعَ بَابٍ يَلِجُ» . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَحْمِلَنَّ عَلَى يَوْمِك هَمَّ غَدِك، فَحَسْبُ كُلِّ يَوْمٍ هَمُّهُ.

وَأَنْشَدَ الْجَاحِظُ لِحَارِثَةَ بْنِ زَيْدٍ:

إذَا الْهَمُّ أَمْسَى وَهُوَ دَاءٌ فَأَمْضِهِ ... وَلَسْتَ بِمُمْضِيهِ وَأَنْتَ تُعَاذِلُهْ

وَلَا تُنْزِلَنَّ أَمْرَ الشَّدِيدَةِ بِامْرِئٍ ... إذَا هَمَّ أَمْرًا عَوَّقَتْهُ عَوَاذِلُهْ

وَقُلْ لِلْفُؤَادِ إنْ تَجِدْ بِك ثَوْرَةً ... مِنْ الرَّوْعِ فَافْرَحْ أَكْثَرُ الْهَمِّ بَاطِلُهْ

وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: الصَّبْرُ فِيمَا يَتَوَقَّعُهُ مِنْ رَغْبَةٍ يَرْجُوهَا، وَيَنْتَظِرُ مِنْ نِعْمَةٍ يَأْمُلُهَا فَإِنَّهُ إنْ أَدْهَشَهُ التَّوَقُّعُ لَهَا، وَأَذْهَلَهُ التَّطَلُّعُ إلَيْهَا انْسَدَّتْ عَلَيْهِ سُبُلُ الْمَطَالِبِ وَاسْتَفَزَّهُ تَسْوِيلُ الْمَطَامِعِ فَكَانَ أَبْعَدَ لِرَجَائِهِ وَأَعْظَمَ لِبَلَائِهِ. وَإِذَا كَانَ مَعَ الرَّغْبَةِ وَقُورًا وَعِنْدَ الطَّلَبِ صَبُورًا انْجَلَتْ عَنْهُ عَمَايَةُ الدَّهَشِ وَانْجَابَتْ عَنْهُ حِيرَةُ الْوَلَهِ، فَأَبْصَرَ رُشْدَهُ وَعَرَفَ قَصْدَهُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الصَّبْرُ ضِيَاءٌ» . يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يَكْشِفُ

<<  <   >  >>