ذَلِكَ رَاحَةٌ. فَبَلَغَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ - فَشَغْلَهُمْ ذَاهِبِينَ وَرَاجِعِينَ فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى إبْلِيسَ، لَعَنَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَسْتَرِيحُونَ بِاللَّيْلِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ فَفِي هَذَا رَاحَةٌ لَكُمْ نِصْفُ دَهْرِكُمْ. فَبَلَغَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَشَغْلَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى إبْلِيسَ، لَعَنَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: الْآنَ جَاءَكُمْ الْفَرَجُ، فَمَا لَبِثَ أَنْ أُصِيبَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَيِّتًا عَلَى عَصَاهُ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ يَعْمَلُ بِأَمْرِهِ وَيَقِفُ عَلَى حَدِّهِ فَكَيْفَ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْأَقْدَارُ مِنْ أَيْدٍ عَادِيَةٍ، وَسَاقَهُ الْقَضَاءُ مِنْ حَوَادِثَ نَازِلَةٍ، هَلْ تَكُونُ مَعَ التَّنَاهِي إلَّا مُنْقَرِضَةً وَعِنْدَ بُلُوغِ الْغَايَةِ إلَّا مُنْحَسِرَةً؟
وَأَنْشَدَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
خَلِيلَيَّ لَا وَاَللَّهِ مَا مِنْ مُلِمَّةٍ ... تَدُومُ عَلَى حَيٍّ وَإِنْ هِيَ جَلَّتْ
فَإِنْ نَزَلَتْ يَوْمًا فَلَا تَخْضَعَنَّ لَهَا ... وَلَا تُكْثِرْ الشَّكْوَى إذَا النَّعْلُ زَلَّتْ
فَكَمْ مِنْ كَرِيمٍ قَدْ بُلِي بِنَوَائِبَ ... فَصَابَرَهَا حَتَّى مَضَتْ وَاضْمَحَلَّتْ
وَكَمْ غَمْرَةٍ هَاجَتْ بِأَمْوَاجِ غَمْرَةٍ ... تَلَقَّيْتهَا بِالصَّبْرِ حَتَّى تَجَلَّتْ
وَكَانَتْ عَلَى الْأَيَّامِ نَفْسِي عَزِيزَةٌ ... فَلَمَّا رَأَتْ صَبْرِي عَلَى الذُّلِّ ذَلَّتْ
فَقُلْتُ لَهَا: يَا نَفْسُ مُوتِي كَرِيمَةً ... فَقَدْ كَانَتْ الدُّنْيَا لَنَا ثُمَّ وَلَّتْ
وَلِتَسْهِيلِ الْمَصَائِبِ وَتَخْفِيفِ الشَّدَائِدِ أَسْبَابٌ إذَا قَارَنْت حَزْمًا، وَصَادَفْت عَزْمًا. هَانَ وَقْعُهَا، وَقَلَّ تَأْثِيرُهَا وَضَرَرُهَا. فَمِنْهَا: إشْعَارُ النَّفْسِ بِمَا تَعْلَمُهُ مِنْ نُزُولِ الْفَنَاءِ وَتَقَضِّي الْمُسِرِّ وَأَنَّ لَهَا آجَالًا مُنْصَرِمَةٌ وَمُدَدًا مُنْقَضِيَةٌ، إذْ لَيْسَ لِلدُّنْيَا حَالٌ تَدُومُ وَلَا لِمَخْلُوقٍ فِيهَا بَقَاءٌ.
وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إلَّا كَمَثَلِ رَاكِبٍ مَالَ إلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» . وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الدُّنْيَا فَقَالَ: تَغُرُّ وَتَضُرُّ وَتَمُرُّ. وَسَأَلَ بَعْضُ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ جَلِيسًا لَهُ عَنْ الدُّنْيَا فَقَالَ: إذَا أَقْبَلَتْ أَدْبَرَتْ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ: الدُّنْيَا أَمَدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute