لَوْ أَنَّ مَا أَنْتُمُو فِيهِ يَدُومُ لَكُمْ ... ظَنَنْتُ مَا أَنَا فِيهِ دَائِمًا أَبَدَا
لَكِنَّنِي عَالِمٌ أَنِّي وَأَنَّكُمْ ... سَنَسْتَجْدِي خِلَافَ الْحَالَتَيْنِ غَدَا
وَأَنْشَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ رَبَّك لَيْسَ تُحْصَى ... أَيَادِيهِ الْحَدِيثَةُ وَالْقَدِيمَهْ
تَسَلَّ عَنْ الْهُمُومِ فَلَيْسَ شَيْءٌ ... يَقُومُ وَلَا هُمُومُكَ بِالْمُقِيمَهْ
لَعَلَّ اللَّهَ يَنْظُرُ بَعْدَ هَذَا ... إلَيْك بِنَظْرَةٍ مِنْهُ رَحِيمَهْ
وَمِنْهَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِي مَا وُقِيَ مِنْ الرَّزَايَا، وَكُفِيَ مِنْ الْحَوَادِثِ، مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ رَزِيَّتِهِ وَأَشَدُّ مِنْ حَادِثَتِهِ؛ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ مَمْنُوحٌ بِحُسْنِ الدِّفَاعِ. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَثْنَاءِ كُلِّ مِحْنَةٍ مِنْحَةٌ» .
وَقِيلَ لِلشَّعْبِيِّ فِي نَائِبَةٍ كَيْفَ أَصْبَحْت؟ قَالَ: بَيْنَ نِعْمَتَيْنِ: خَيْرٌ مَنْشُورٌ وَشَرٌّ مَسْتُورٌ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
لَا تَكْرَهْ الْمَكْرُوهَ عِنْدَ حَوْلِهِ ... إنَّ الْعَوَاقِبَ لَمْ تَزَلْ مُتَبَايِنَهْ
كَمْ نِعْمَةٍ لَا تَسْتَقِلُّ بِشُكْرِهَا ... لِلَّهِ فِي طَيِّ الْمَكَارِهِ كَامِنَهْ
وَمِنْهَا: أَنْ يَتَأَسَّى بِذَوِي الْغِيَرِ، وَيَتَسَلَّى بِأُولِي الْعِبَرِ. وَيَعْلَمَ أَنَّهُمْ الْأَكْثَرُونَ عَدَدًا وَالْأَسْرَعُونَ مَدَدًا، فَيَسْتَجِدَّ مِنْ سَلْوَةِ الْأَسَى وَحُسْنِ الْعَزَا مَا يُخَفِّفُ شَجْوَهُ، وَيُقِلُّ هَلَعَهُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَلْصِقُوا بِذَوِي الْغِيَرِ تَتَّسِعْ قُلُوبُكُمْ.
وَعَلَى مِثْلِ ذَلِكَ كَانَتْ مَرَاثِي الشُّعَرَاءِ. قَالَ الْبُحْتُرِيُّ:
فَلَا عُجْبَ لِلْأُسْدِ إنْ ظَفِرَتْ بِهَا ... كِلَابُ الْأَعَادِي مِنْ فَصِيحٍ وَأَعْجَمِي
فَحَرْبَةُ وَحْشِيٍّ سَقَتْ حَمْزَةَ الرَّدَى ... وَمَوْتُ عَلِيٍّ مِنْ حُسَامِ ابْنِ مُلْجِمِ
وَقَالَ أَبُو نُوَاسٍ:
الْمَرْءُ بَيْنَ مَصَائِب لَا تَنْقَضِي ... حَتَّى يُوَارَى جِسْمُهُ فِي رَمْسِهِ
فَمُؤَجَّلٌ يَلْقَى الرَّدَى فِي أَهْلِهِ ... وَمُعَجَّلٌ يَلْقَى الرَّدَى فِي نَفْسِهِ
وَمِنْهَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ النِّعَمَ زَائِرَةٌ، وَأَنَّهَا لَا مَحَالَةَ زَائِلَةٌ، وَأَنَّ السُّرُورَ