للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مَلَكَ الصَّبْرَ فَأَضْحَى ... مَالِكًا خَيْرًا وَشَرَّا

اشْرَبْ الصَّبْرَ وَإِنْ كَانَ ... مِنْ الصَّبْرِ أَمَرَّا

وَأَنْشَدْتُ لِبَعْضِ أَهْلِ الْأَدَبِ:

يُرَاعُ الْفَتَى لِلْخَطْبِ تَبْدُو صُدُورُهُ ... فَيَأْسَى وَفِي عُقْبَاهُ يَأْتِي سُرُورُهُ

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّيْلَ لَمَّا تَرَاكَمَتْ ... دُجَاهُ بَدَا وَجْهُ الصَّبَاحِ وَنُورُهُ

فَلَا تَصْحَبَنَّ الْيَأْسَ إنْ كُنْتَ عَالِمًا ... لَبِيبًا فَإِنَّ الدَّهْرَ شَتَّى أُمُورُهُ

وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَلَّ مَنْ صَبَرَ عَلَى حَادِثَةٍ وَتَمَاسَكَ فِي نَكْبَةٍ إلَّا أَنَّ انْكِشَافَهَا وَشِيكًا، وَكَانَ الْفَرَجُ مِنْهُ قَرِيبًا. أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْكَاتِبَ حُبِسَ فِي السِّجْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً حَتَّى ضَاقَتْ حِيلَتُهُ وَقَلَّ صَبْرُهُ فَكَتَبَ إلَى بَعْضِ إخْوَانِهِ يَشْكُو لَهُ طُولَ حَبْسِهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ جَوَابَ رُقْعَتُهُ بِهَذَا:

صَبْرًا أَبَا أَيُّوبَ صَبْرٌ مُبَرِّحُ ... فَإِذَا عَجَزْت عَنْ الْخُطُوبِ فَمَنْ لَهَا

إنَّ الَّذِي عَقَدَ الَّذِي انْعَقَدَتْ لَهُ ... عُقَدُ الْمَكَارِهِ فِيكَ يَمْلِكُ حَلَّهَا

صَبْرًا فَإِنَّ الصَّبْرَ يُعْقِبُ رَاحَةً ... وَلَعَلَّهَا أَنْ تَنْجَلِي وَلَعَلَّهَا

فَأَجَابَهُ أَبُو أَيُّوبَ يَقُولُ:

صَبَّرْتَنِي وَوَعَظْتَنِي وَأَنَا لَهَا ... وَسَتَنْجَلِي بَلْ لَا أَقُولُ لَعَلَّهَا

وَيَحُلُّهَا مَنْ كَانَ صَاحِبَ عَقْدِهَا ... كَرَمًا بِهِ إذْ كَانَ يَمْلِكُ حَلَّهَا

فَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّجْنِ إلَّا أَيَّامًا حَتَّى أُطْلِقَ مُكَرَّمًا.

وَأَنْشَدَ ابْنُ دُرَيْدٍ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ:

إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْيَأْسِ الْقُلُوبُ ... وَضَاقَ لِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيبُ

وَأَوْطَنَتْ الْمَكَارِهُ وَاطْمَأَنَّتْ ... وَأَرْسَتْ فِي مَكَانَتِهَا الْخُطُوبُ

وَلَمْ تَرَ لِانْكِشَافِ الضُّرِّ وَجْهًا ... وَلَا أَغْنَى بِحِيلَتِهِ الْأَرِيبُ

أَتَاك عَلَى قُنُوطٍ مِنْك غَوْثٌ ... يَمُنُّ بِهِ اللَّطِيفُ الْمُسْتَجِيبُ

وَكُلُّ الْحَادِثَاتِ إذَا تَنَاهَتْ ... فَمَوْصُولٌ بِهَا الْفَرَجُ الْقَرِيبُ

<<  <   >  >>