عِرْضِهِ إفْكٌ.
وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَصُونُك أَنْ أُدِلَّ عَلَيْك ظَنًّا ... لِأَنَّ الظَّنَّ مِفْتَاحُ الْيَقِينِ
وَقَالَ سَهْلُ بْنُ هَارُونَ: مُؤْنَةُ الْمُتَوَقِّفِ أَيْسَرُ مِنْ تَكَلُّفِ الْمُعَسَّفِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ بِمَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى فَهُوَ مَخْدُوعٌ. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ، لِأَبِي بَكْرٍ الصُّولِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلَهُ:
أَحْسَنْتُ ظَنِّي بِأَهْلِ دَهْرِي ... فَحُسْنُ ظَنِّي بِهِمْ دَهَانِي
لَا آمَنُ النَّاسَ بَعْدَ هَذَا ... مَا الْخَوْفُ إلَّا مِنْ الْأَمَانِ
فَهَذَا شَرْطٌ اسْتَوْفَيْنَا فِيهِ نَوْعَيْ النَّزَاهَةِ.
وَأَمَّا الصِّيَانَةُ وَهِيَ الثَّالِثُ مِنْ شُرُوطِ الْمُرُوءَةِ فَنَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: صِيَانَةُ النَّفْسِ بِالْتِمَاسِ كِفَايَتِهَا وَتَقْدِيرِ مَادَّتِهَا. وَالثَّانِي: صِيَانَتُهَا عَنْ تَحَمُّلِ الْمِنَنِ مِنْ النَّاسِ وَالِاسْتِرْسَالِ فِي الِاسْتِعَانَةِ. وَأَمَّا الْتِمَاسُ الْكِفَايَةِ وَتَقْدِيرُ الْمَادَّةِ؛ فَلِأَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَى النَّاسِ كُلُّ مُهْتَضَمٍ وَذَلِيلٍ مُسْتَثْقَلٍ. وَهُوَ لِمَا فُطِرَ عَلَيْهِ، مُحْتَاجٌ إلَى مَا يَسْتَمِدُّهُ لِيُقِيمَ أَوَدَ نَفْسِهِ، وَيَدْفَعَ ضَرُورَةَ وَقْتِهِ. وَقَدْ قَالَتْ الْعَرَبُ فِي أَمْثَالِهَا: كَلْبٌ جَوَّالٌ خَيْرٌ مِنْ أَسَدٍ رَابِضٍ.
وَمَا يَسْتَمِدُّهُ نَوْعَانِ: لَازِمٌ وَنَدْبٌ. فَأَمَّا اللَّازِمُ فَمَا أَقَامَ بِالْكِفَايَةِ وَأَفْضَى إلَى سَدِّ الْخَلَّةِ. وَعَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: وَاحِدُهَا: اسْتِطَابَتُهُ مِنْ الْوُجُوهِ الْمُبَاحَةِ وَتَوَقِّي الْمَحْظُورَةِ فَإِنَّ الْمَوَادَّ الْمُحَرَّمَةَ مُسْتَخْبَثَةُ الْأُصُولِ، مَمْحُوقَةُ الْمَحْصُولِ، إنْ صَرَفَهَا فِي بِرٍّ لَمْ يُؤْجَرْ، وَإِنْ صَرَفَهَا فِي مَدْحٍ لَمْ يُشْكَرْ، ثُمَّ هُوَ لِأَوْزَارِهَا مُحْتَقِبٌ، وَعَلَيْهَا مُعَاقَبٌ.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُعْجِبُك رَجُلٌ كَسَبَ مَالًا مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ فَإِنْ أَنْفَقَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ أَمْسَكَهُ فَهُوَ زَادُهُ إلَى النَّارِ» . وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: شَرُّ الْمَالِ مَا لَزِمَك إثْمُ مَكْسَبِهِ وَحُرِمْتَ أَجْرَ إنْفَاقِهِ.
وَنَظَرَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ يَتَصَدَّقُ عَلَى مِسْكِينٍ، فَقَالَ: اُنْظُرْ إلَيْهِمْ حَسَنَاتُهُمْ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ:
سُرَّ مَنْ عَاشَ مَالُهُ فَإِذَا ... حَاسَبَهُ اللَّهُ سَرَّهُ الْإِعْدَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute