الدَّهَاقِينِ: مَا الْمُرُوءَةُ فِيكُمْ؟ قَالَ: اجْتِنَابُ الرِّيَبِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبُلُ مُرِيبٌ، وَإِصْلَاحُ الرَّجُلِ مَالَهُ فَإِنَّهُ مِنْ مُرُوءَتِهِ وَقِيَامِهِ بِحَوَائِجِهِ وَحَوَائِجِ أَهْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبُلُ مَنْ احْتَاجَ إلَى أَهْلِهِ وَلَا مَنْ احْتَاجَ أَهْلُهُ إلَى غَيْرِهِ. وَأَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:
مَنْ عَفَّ خَفَّ عَلَى الصَّدِيقِ لِقَاؤُهُ ... وَأَخُو الْحَوَائِجِ وَجْهُهُ مَمْلُولُ
وَأَخُوك مَنْ وَفَّرْتَ مَا فِي كِيسِهِ ... فَإِذَا عَبَثْتَ بِهِ فَأَنْتَ ثَقِيلُ
وَإِنْ كَانَ النَّاسُ لُحْمَةً لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْ التَّعَاوُنِ وَلَا يَسْتَقِلُّونَ عَنْ الْمُسَاعِدِ وَالْمُظَافِرِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ تَعَاوُنُ ائْتِلَافٍ يَتَكَافَئُونَ فِيهِ وَلَا يَتَفَاضَلُونَ وَرُبَّمَا كَانَ الْمُسْتَعِينُ فِيهِ مُفَضَّلًا، وَالْمُعِينُ مُسْتَفْضِلًا كَاسْتِعَانَةِ السُّلْطَانِ بِجُنْدِهِ وَالْمُزَارِعِ بِأَكَرَتِهِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا بُدٌّ وَلَا لِأَحَدٍ عَنْهُ غِنًى، وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَصَوَّنُ عَنْهُ الْكِرَامُ تَعَاوُنُ التَّفْضِيلِ فَيَنْقَبِضُونَ عَنْ أَنْ يَسْتَعِينُوا لِئَلَّا يَكُونَ عَلَيْهِمْ يَدٌ، وَيُسَارِعُونَ أَنْ يُعِينُوا لَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ يَدٌ. وَمَنْ أَقْدَمَ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ بِجَاهٍ أَوْ بِمَالٍ فَقَدْ أَوْهَى مُرُوءَتَهُ، وَاسْتَبْذَلَ صِيَانَتَهُ، وَمَنْ دَعَاهُ الِاضْطِرَارُ لِنَائِبٍ أَلَمَّ أَوْ حَادِثٍ هَجَمَ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِمَنْ يَتَنَفَّسُ بِهِ مِنْ خِنَاقِ كَرْبِهِ، وَيَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ وِثَاقِ نَوَائِبِهِ، فَلَا لَوْمَ عَلَى مُضْطَرٍّ.
فَإِنْ أَغْنَتْهُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْجَاهِ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِالْمَالِ، فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّعَرُّضِ لِلْمَالِ، وَيَعْدِلُ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ فَإِنَّ الْحَوَائِجَ عِنْدَهُمْ أَنْجَحُ وَهِيَ عَلَيْهِمْ أَسْهَلُ، وَهُمْ لِذَلِكَ مَنْدُوبُونَ، فَهُمْ لَا يَجِدُونَ لَهُمْ مُسَاوِيًا وَلِيَصْبِرَنَّ عَلَى إبْطَائِهِمْ فَإِنَّ تَرَاكُمَ الْأُمُورِ عَلَيْهِمْ يَشْغَلُهُمْ إلَّا عَنْ الْمُلِحِّ الصَّبُورِ.
وَلِذَلِكَ قِيلَ: قَدِّمْ لِحَاجَتِك بَعْضَ لَجَاجَتِك. وَقَالَ أَبُو سَارَةَ سُحَيْمُ بْنُ الْأَعْرَفِ:
تُعِدُّ قَرَابَةً وَتُعِدُّ صِهْرًا ... وَيَسْعَدُ بِالْقَرَابَةِ مَنْ رَعَاهَا
وَمَا زُرْنَاك مِنْ عَدَمٍ وَلَكِنْ ... يَهَشُّ إلَى الْإِمَارَةِ مَنْ رَجَاهَا
وَأَيًّا مَا فَعَلْتَ فَإِنَّ نَفْسِي ... تَعُدُّ صَلَاحَ نَفْسِك مِنْ غِنَاهَا
فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ صَلَاحُ حَالِهِ إلَّا بِمَالٍ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى نَوَائِبِهِ كَانَ لَهُ مَعَ الضَّرُورَةِ فُسْحَةٌ. لَكِنْ إنْ وَجَدَهُ قَرْضًا مَرْدُودًا لَمْ يَأْخُذْهُ صِلَةً وَجُودًا، فَإِنَّ الْقَرْضَ مُسْتَسْمَحٌ بِهِ فِي الْمُرُوآت. هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute