للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بِاَللَّهِ تَعَالَى مِثْلَ مَا اسْتَعَاذَ فَلَيْسَ لِمَنْ تَكَلَّفَ مَا لَا يُحْسِنُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَلَا حَدٌّ يَقِفُ عِنْدَهُ. وَمَنْ كَانَ تَكَلُّفُهُ غَيْرَ مَحْدُودٍ فَأَخْلِقْ بِهِ أَنْ يَضِلَّ وَيُضِلَّ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مِنْ الْعِلْمِ أَنْ لَا تَتَكَلَّمَ فِيمَا لَا تَعْلَمُ بِكَلَامِ مَنْ يَعْلَمُ فَحَسْبُك جَهْلًا مِنْ عَقْلِك أَنْ تَنْطِقَ بِمَا لَا تَفْهَمُ. وَلَقَدْ أَحْسَن زُرَارَةُ بْنُ زَيْدٍ حَيْثُ يَقُولُ:

إذَا مَا انْتَهَى عِلْمِي تَنَاهَيْتُ عِنْدَهُ ... أَطَالَ فَأَمْلَى أَوْ تَنَاهَى فَأَقْصَرَا

وَيُخْبِرُنِي عَنْ غَائِبِ الْمَرْءِ فِعْلُهُ ... كَفَى الْفِعْلُ عَمَّا غَيَّبَ الْمَرْءُ مُخْبِرَا

فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَى الْإِحَاطَةِ بِالْعِلْمِ سَبِيلٌ فَلَا عَارٌ أَنْ يَجْهَلَ بَعْضَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَهْلِ بَعْضِهِ عَارٌ لَمْ يَقْبُحْ بِهِ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ فِيمَا لَيْسَ يَعْلَمُ.

وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْبِقَاعِ خَيْرٌ، وَأَيُّ الْبِقَاعِ شَرٌّ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ جِبْرِيلَ» . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمَا أَبْرَدَهَا عَلَى الْقَلْبِ إذَا سُئِلَ أَحَدُكُمْ فِيمَا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّ الْعَالِمَ مَنْ عَرَفَ أَنَّ مَا يَعْلَمُ فِيمَا لَا يَعْلَمُ قَلِيلٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إذَا تَرَكَ الْعَالِمُ قَوْلَ لَا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هَلَكَ مَنْ تَرَكَ لَا أَدْرِي. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَيْسَ لِي مِنْ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ إلَّا عِلْمِي بِأَنِّي لَسْت أَعْلَمُ.

وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مَنْ قَالَ لَا أَدْرِي عَلِمَ فَدَرَى، وَمَنْ انْتَحَلَ مِمَّا لَا يَدْرِي أُهْمِلَ فَهَوَى، وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ وَإِنْ صَارَ فِي طَبَقَةِ الْعُلَمَاءِ الْأَفَاضِلِ أَنْ يَسْتَنْكِفَ مِنْ تَعَلُّمِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ لِيَسْلَمَ مِنْ التَّكَلُّفِ.

وَقَدْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ -: يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ تَعَلَّمْ مِنْ الْعِلْمِ مَا جَهِلْت وَعَلِّمْ الْجُهَّالَ مَا عَلِمْت.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: خَمْسٌ خُذُوهُنَّ عَنِّي فَلَوْ رَكِبْتُمْ الْفُلْكَ مَا وَجَدْتُمُوهُنَّ إلَّا عِنْدِي: أَلَا لَا يَرْجُوَنَّ أَحَدٌ إلَّا رَبَّهُ، وَلَا يَخَافَنَّ إلَّا ذَنْبَهُ، وَلَا يَسْتَنْكِفْ الْعَالِمُ أَنْ يَتَعَلَّمَ لِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَإِذَا سُئِلَ أَحَدُكُمْ عَمَّا لَا يَعْلَمُ فَلْيَقُلْ لَا أَعْلَمُ، وَمَنْزِلَةُ الصَّبْرِ مِنْ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لَوْ كَانَ أَحَدُكُمْ يَكْتَفِي مِنْ الْعِلْمِ لَاكْتَفَى مِنْهُ مُوسَى - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا قَالَ: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ

<<  <   >  >>