للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم قال: "يا سليم ما معك من القرآن"؟ قال: إني أسأل الله الجنة أو قال: أسأل الجنة وأعوذ به من النار, والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهل تصير دندنتي ودندنة معاذ إلا أن نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار". قال سليم: سترون غدا إذا التقى القوم إن شاء الله وقال والناس يتجهزون إلى أحد فخرج فكان في الشهداء رحمه الله, رواه الإمام أحمد.

فإن قيل فقد روى الإمام أحمد المسند من حديث بريدة أن معاذ بن جبل صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ فيها: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} فقام رجل قبل أن يفرغ فصلى وذهب فقال له معاذ قولا شديدا, فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فاعتذر إليه فقال: إني كنت أعمل في نخلي وخفت على الماء, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صل بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ونحوها من السور".

فقد أجيب عن هذا بأن قصة معاذ تكررت وهذا جواب في غاية البعد عن الصواب؛ فإن معاذا كان أفقه في دين الله من أن ينهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعود له, وأجود من هذا الجواب أن يكون قرأ في الركعة الأولى بالبقرة وفي الركعة الثانية بـ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} . فسمعه من صلى معه من الركعة الأولى فقال: صلى بالبقرة, وبعضهم سمع قراءته في الثانية فقال: صلى بـ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} .

والذي في الصحيحن أنه قرأ سورة البقرة وشك بعض الرواة فقال: البقرة والنساء, وقصة قراءته بـ {اقْتَرَبَتِ} لم تذكر في الصحيح والذي في الصحيح أولى بالصحة منها, وقد حفظ الحديث جابر, فقال: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح سورة البقرة وذكر القصة, فهذا جابر أخبر أنه فعل ذلك مرة وأنه قرأ بالبقرة ولم يشك, وهذا الحديث متفق على صحته أخرجاه.

فصل

وقد ظهر بهذا أن التعمق والتنطع والتشديد الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخالف لهديه وهدي أصحابه وما كانوا عليه وأن موافقته فيما فعله هو وخلفاؤه من بعده هو محض المتابعة وإن أباها وجهلها من جهلها, فالتعمق والتنطع مخالفة ما جاء به وتجاوزه والغلو فيه ومقابلة إضاعته والتفريط فيه والتقصير عنه وهما خطأ وضلالة وانحراف عن الصراط المستقيم والمنهج القويم, ودين الله تعالى بين الغالي فيه والجافي عنه.

<<  <   >  >>