وَأما إِذا جعل أرضه أَو دَاره وَقفا على الْفُقَرَاء أَو على وُجُوه الْخَيْر فَعِنْدَ أبي حنيفَة إِن جعله وَقفا فِي حَال حَيَاته وَلم يقل وَصِيَّة بعد وَفَاته فَإِنَّهُ يكون هَذَا الْوَقْف صَحِيحا فِي حق التَّصْدِيق بالغلة وبالسكنى فِي الدَّار إِلَى وَقت وَفَاته وَيكون نذرا بالتصدق بذلك وَتَكون رَقَبَة الأَرْض على ملكه يجوز لَهُ بَيْعه والتصرفات فِيهِ
وَإِذا مَاتَ يصير مِيرَاثا للْوَرَثَة وَهَذَا معنى قَول بعض الْمَشَايِخ إِن الْوَقْف لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة أَن الْوَقْف لَا حكم لَهُ عِنْده بل يكون نذرا بالتصدق بغلته ومنافعه
وَأما إِذا وقف فِي حَال حَيَاته وَأوصى بذلك بعد وَفَاته فَإِنَّهُ يجوز بِلَا خلاف لَكِن ينظر إِن خرج من الثُّلُث يجوز فِي الْكل وَإِن لم يخرج من الثُّلُث يجوز الْوَقْف فِيهِ بِقدر الثُّلُث وَيبقى الْبَاقِي إِلَى أَن يظْهر لَهُ مَال آخر أَو يُجِيزهُ الْوَرَثَة
فَإِن لم يظْهر لَهُ مَال وَلم يجز الْوَرَثَة تقسم الْغلَّة بَينهم أَثلَاثًا الثُّلُث للْوَقْف وَالثُّلُثَانِ بَين الْوَرَثَة على قدر أنصبائهم
وَلَو رفع الْأَمر إِلَى القَاضِي فَأمْضى القَاضِي الْوَقْف بِنَاء على دَعْوَى صَحِيحَة وَشَهَادَة قَائِمَة على ذَلِك وَأنكر الْوَاقِف ذَلِك صَحَّ
وَلَو شهد الشُّهُود على الْوَقْف من غير دَعْوَى قَالُوا إِن القَاضِي يقبل لِأَن الْوَقْف حكمه التَّصَدُّق بالغلة وَهُوَ حق الله تَعَالَى وَفِي حُقُوق الله تَعَالَى لَا يشْتَرط الدَّعْوَى
وَهَذَا إِذا كَانَ من رَأْي القَاضِي أَن الْوَقْف صَحِيح لَازم لَا يجوز نقضه بِحَال كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد حَتَّى يكون قَضَاء فِي فصل مُجْتَهد فِيهِ فَينفذ قَضَاؤُهُ وَلَا يُمكن نقضه بعد ذَلِك وَلَا يجوز بَيْعه وَلَا يُورث بالِاتِّفَاقِ لِأَن قَضَاء القَاضِي فِي فصل مُجْتَهد فِيهِ على أحد