وشتانَ بين المطلوبين هذا يطلب قليلاً فانيًا مكدرًا بالغمومِ والأمراضِ والأسقامِ، ومن بعدِه يختمُ له بالموتِ، ومن بعدِ الموتِ ينظر فيه بعدَما ذهبت لذتُه ومنفعتُه، وبقي السؤالُ بين يدي اللهِ تعالى، حتى يُسألَ عنه: ماذا صنع فيه؟ ثم العفوُ أو العذابُ عليه، ومع هذه الأسبابِ المكدرةِ في الدُّنيا والآخرةِ لن ينالَ من ذلك إلا ماقدر له، وهذا يهتمُّ لطلبِ باقٍ كثيرٍ لا يفنى، مع نعيمٍ مقيمٍ وعيشٍ سليمٍ قد أُزيلت عنه الأمراضُ والأسقامُ، ورُفعت عنه الهمومُ والغمومُ والأحزانُ، ولا يختم بموتٍ أبدًا،ولا حسابَ ولا تبعةَ فيه عليه، والمولى راضٍ عنه، هو مسرورٌ بما يتقلَّبُ فيه من نعيمِ الآخرةِ، باقٍ فيه أبدًا، ولا يشاءُ إلا بلغت فيه مشيئتُه في حياةٍ ليس فيها موتٌ، ونعيمٌ لا يخاف عليه أبدًا الفوت، مجاورُ القدوسِ الأعلى في دارِه، لا يخاف سخطَه بعدَ رضاه ثم ما رضي له بذلك حتى أكملَ ذلك له بغايةِ الكرامةِ، وقرَّبه إليه في الزيارةِ، وأنجزَ له ما وعدَه من الرؤيةِ والنظرِ إلى وجهِهِ الكريمِ عزَّ وجلَّ، إذ يقول جلَّ من قائلٍ:(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)[القمر:٥٤،٥٥] فأعظِم به من مجلسٍ، وأكرِم به من زائرٍ ومزورٍ، وناظرٍ ومنظورٍ إليه، ومقبِلٍ ومقبَلٍ عليه، مترددٌ فيما بين نعيمِه ولذاتِه، والنظرِ إلى وجهِهِ جلَّ وعزَّ، فشتانَ ما بين الهمَّتين، وشتانَ ما بين الغايتين، فإذا كان هذا النائمُ يوقظُه اهتمامُه لهذا الفاني المنغَّصِ المكدَّرِ بعد ذهابِ عقلِه، فالهمُّ للباقي الهنيءِ السليمِ، والحذر من فوتِه مع الحلولِ في العذابِ الأليمِ؛ أولى أن يتيقَّظَ له العقلُ، ولم يذهب بنومٍ، فإذا اهتم وحذر تيقظ" (١) .