واما (ءَاَنذرتهم ام لم تنذرهم) فالهمزة واَمْ هنا في حكم "سواء حرفي"، تأكيد لسواء الاول. أو تأسيس نظراً الى اقتسامهما المعنيين المذكورين للمساواة.
ان قلت: فلِمَ عبّر عن المساواة بصورة الاستفهام؟
قيل لك: اذا اردت ان تنبه المخاطب على عدم الفائدة في فعل نفسه بوجه لطيف مقنع لابد ان تستفهم ليتوجه ذهنُه الى فعله فينتقل منه الى النتيجة فيطمئن.. ثم العلاقة بين الاستفهام والمساواة تضمنه لها؛ اذ السائل يتساوى في علمه الوجود والعدم.. وايضا كثيرا مايكون الجواب هذه المساواة الضمنية.
ان قلت: لِمَ عبّر عن الانذار في "أنذرتهم" بصورة الماضي؟
قيل لك: لينادي "يا محمد قد جرَّبْتَ" فقس!
ان قلت: لِمَ ذكر (ام لم تنذرهم) مع ان عدم فائدة عدم الانذار ظاهر؟
قيل لك: كما قد ينتج الانذار اصراراً، كذلك قد يجدي السكوت انصاف المخاطب.
ان قلت: لِمَ انذر بالترهيب فقط مع انه بشير نذير؟
قيل لك: اذ الترهيب هو المناسب للكفر، ولان دفع المضار أولى من جلب المنافع وأشد تأثيراً، ولأن الترهيب هنا يهز عِطف الخيال ويوقظه لان يتلقى ويجتني بعد قوله (لايؤمنون)"أبشّرتهم ام لم تبشرهم".
ثم اعلم! كما ان لكل حكمٍ معنى حرفياً ومقصدا خفياً؛ كذلك لهذا الكلام معان طيارة ومقصد سيق له هو تخفيف الزحمة، وتهوين الشدة عن النبي عليه السلام، وتسليته بتأسّيه بالرسل السالفين. اذ خوطب اكثرهم بمثل هذا الخطاب، حتى قال نوح بعده (لا تَذَرْ عَلَى الَارْضِ مِنَ الْكَافِرينَ دَيَّاراً) ١.. ثم لأن آيات القرآن كالمرايا المتناظرة، وقصص الانبياء كالهالة للقمر تنظر الى حال النبي عليه السلام؛ كان كأن هذا الكلام يقول: هذا قانون فطريّ الهيّ يجب الانقياد له.