طال العناء وكثر الجهد، تكشَّف عن غير طائل، وحصلتَ منه على نَدَمٍ لتَعبك في غير حاصل، وذلك مثل ما تجده لأبي تمام من تعسُّفه في اللفظ، وذهابه به في نحوٍ من التركيب لا يهتَدِي النحو إلى إصلاحه، وإغراب في الترتيب يعمَي الإعرابُ في طريقه، ويَضِلُّ في تعريفه، كقوله:
ثَانِيه في كَبِد السَّمَاء ولم يكن ... لاثنين ثانٍ إذ هُما فِي الغَارِ
وقوله:
يَدِي لمن شاءَ رَهْنٌ لَمْ يَذُق جُرَعاً ... مِنْ رَاحتَيْكَ دَرَى ما الصَّابُ والعَسلُ
ولو كان الجنس الذي يوصف من المعاني باللطافة ويُعَدّ في وسائط العُقود، لا يُحوِجك إلى الفكر، ولا يحرِّك من حِرصك على طلبه، بمنعِ جانبه وببعض الإدلال عليك وإعطائك الوصل بعد الصدّ، والقرب بعد البعُد، لكان باقلَّي حارٌ وبيتُ معنًى هو عين القلادة وواسطة العقد واحداً، ولَسقط تفاضُلُ السامعين في الفهم والتصوّر والتبيين، وكان كلُّ من روى الشعر عالماً به، وكلُّ من حَفِظه إذا كان يعرف اللغة على الجملة ناقداً في تمييز جيّده من رديئه، وكان قول من قال:
زَوَامِلُ للأشعارِ لا عِلْمَ عِنْدهُم ... بجيِّدها إلا كَعِلْمِ الأباعِرِ