قلتُ لمن قال لي عرضتُ على الأخ ... فَشِ مَا قُلتَه فَمَا حَمِدهْ
قَصرَّتَ بالشعر حين تَعرِضُهُ ... على مُبينِ العمَى إذا انتَقَدَهْ
مَا قَالَ شعراً ولا رواهُ فلا ... ثَعْلَبَهُ كان لا ولا أَسَدَهْ
فإن يَقُل إنّني رويتُ فكالدَّف ... ترِ جهلاً بكلّ ما اعتَقَدهْ
وما أشبه ذلك، دعوَى غير مسموعةٍ ولا مؤهَّلةٍ للقبول، فإنما أرادوا بقولهم ما كان معناه إلى قلبك أسبقَ من لفظه إلى سمعك، أن يجتهد المتكلم في ترتيب اللفظ وتهذيبه وصيانته من كل ما أخلّ بالدَّلالة، وعاق دون الإبانة، ولم يريدوا أن خير الكلام ما كان غُفْلاً مِثْلَ ما يتراجعه الصبيانُ ويتكلَّم به العامّة في السوق. هذا وليس إذا كان الكلامُ في غاية البيان وعلى أبلغ ما يكون من الوُضوح، أغناك ذاك عن الفكرة إذا كان المعنى لطيفاً، فإن المعانيَ الشريفة اللطيفةَ لا بُدَّ فيها من بناءِ ثانٍ على أوّل، وردِّ تالٍ على سابق، أفَلستَ تحتاج في الوقوف على الغرض من قوله:" كالبَدْرِ أُفْرطَ فِي العُلُوِّ " إلى أن تعرف البيت الأول، فتتصوَّر حقيقة المرادِ منه ووجه المجاز في كونه دانياً شاسعاً، وترقم ذلك في قلبك، ثم تعود إلى ما يعرِضُ البيت الثاني عليك من حَالِ البدر، ثم تقابل إحدى الصورتين بالأخرى، وتردّ البَصَرَ من هذه إلى