تلك، وتنظر إليه كيف شَرَطَ في العلوِّ والإفراطَ، ليشاكل قوله شاسع، لأن الشُّسُوع هو الشديد البُعد، ثم قَابَله بما لا يشاكله من مراعاة التناهي في القرب فقال " جِدُّ قريب " فهذا هو الذي أردتُ بالحاجة إلى الفكر، وبأنَّ المعنى لا يحصُل لك إلا بعد انبعاثٍ منك في طلبه، واجتهادٍ في نيله، هذا وإن توقفت في حاجتك أيها السامع للمعنى إلى الفكر في تحصيله، فهل تشكّ في أن الشاعر الذي أدّاه إليك، ونشر بَزَّه لديك، قد تحمّل فيه المشقّة الشديدة، وقطع إليه الشُّقة البعيدة، وأنه لم يصل إلى دُرِّه حتى غاص، ولم ينل المطلوب حتى كابدَ منه الامتناع والاعتياص؛ ومعلومٌ أن الشيء إذا عُلم أنه لم يُنَل في أصله إلا بعد التَّعب، ولم يُدرَك إلا باحتمال النَّصَب، كان للعلم بذلك من أمره من الدعاء إلى تعظيمه، وأخْذِ الناس بتفخيمه، ما يكونَ لمباشرة الجهد فيه، وملاقاةِ الكرب دونه، وإذا عثرتَ بالهُوَيْنَا على كنزٍ من الذهب، لم تُخرجك سُهولةُ وجوده إلى أن تَنْسَى جملةً أنه الذي كدَّ الطالب، وحمّل المتاعب، حتى إن لم تكُنْ فيك طبيعةٌ من الجُود تتحكَّم عليك، ومحبّة للثناء تستخرج النفيس من يديك كان من أقوى حجج الضَّنّ الذي يخامر الإنسان أن تقول: إن لم يكدَّني فقد كدَّ غيري، كما يقول الوارث للمال المجموع عفواً إذا لِيمَ على بخله به، وفرطِ شُحّه عليه: إن لم يكنْ كَسْبِي وكدَّي، فهو كَسْب أبي وجدي، ولئن لم ألْقَ فيه عناءً، لقد عانَى سَلَفِي فيه الشدائد، ولقُوا في جَمْعِهِ الأمَّرين، أفأضيِّع ما ثَمَّرُوه، وأُفَرِّق ما جمعوه،