للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما بعد فيا أحباب رسول الله:

كلما اشتدت الكروب وتعاظمت الخطوب في الأمة، وكلما اشتدت المحن والبلايا وحلّت بنا الأزمات والرزايا, كلما كانت حاجتنا إلى التوبة والاستغفار أشد وأعظم .. فما نزل البلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة واستغفار .. حقيقة قد نغفل عنها .. ! !

[الذنوب سبب المصائب]

نعم أيها الأحبة: ما من مصيبة تقع في الأمة على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي إلا بسبب الذنوب والمعاصي بداية من كبائرها إلى صغائرها .. أما الدليل على ذلك فأَرْعِنِي سمع قلبك وأذنيك واسمع قول الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: ٤١] وقال جل من قائل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠] وقال الله عز وجل: {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١١] والباء هنا للسببية أي: أخذهم بسبب ما اجترحوه من ذنوب ومعاصي ومن ترك للأوامر وارتكاب للمناهي .. ما أوضح وما أصرح هذه الآيات في دلالاتها وتوجيهاتها فقد كفتنا مؤنة البحث عن تفسيرها وبيانها ... وخلاصة مرادها: أن البلاء لا يقع إلا بذنب ولا يُرفع إلا بتوبة

وأوبة واستغفار إلى الله جل وعلا.

[معنى الاستغفار]

طلب المغفرة من الله بالمقال والفعال (١)، فالسين والتاء في اللغة

للطلب، فإذا قال العبد: أستغفر الله، أي أطلب منك ياربِّ المغفرة بستر العيب ومحو الذنب. ولماذا جُعِلَ طلب العفو عن الذنب بلفظ الاستغفار بالذات؟ ؟ ! انظروا إلى جمال لغتنا العربية القرآنية، قال: لأن أصل لفظ الاستغفار في اللُّغة من غَفَرَ؛ والغَفْرُ والمَغْفِرَةُ التغطية والستر (٢)، فكأن المستغفر يدعو الله أولاً: بستر ذنبه ثم بمحوه ومغفرته، ولذلك كان من أسمائه تعالى (الغفور)؛ أي: الذي يستر عيوب عباده فلا يفضحهم ويَتجاوز عن ذنوبهم.


(١) الموسوعة الفقهية الكويتية ٤/ ٣٤. مصطلح "استغفار"
(٢) تاج العروس من جواهر القاموس ٧/ ٣١٤. مادة [غفر]

<<  <   >  >>