للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد ذكر الإمام القرطبي _رحمه الله_ (١): أن رجلاً جاء إلى التابعي الجليل الحسن البصري يشكو إليه الجدب والقحط فأجابه قائلاً ياهذا: "استغفر الله "، ثم جاءه رجلُ آخر يشكو الحاجة والفقر فقال له يا هذا: "استغفر الله"، ثم جاءه ثالثُ يشكو قلة الولد فقال له: " استغفر الله"، فعجب القوم من إجابته ... وقالوا: لقد أتاك رجال يشكون أنواعاً من البلاء فأمرتهم كلهم بالاستغفار .. كيف ذلك. فقال لهم وهو يرشدهم إلى الفقه الإيماني والفهم القرآني والهدي النبوي .. ألم تقرؤا قول الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا، مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}.

خامساً: من ثمار المداومة الاستغفار: أن المستغفرين يمتعهم ربهم متاعاً حسناً، فيبدِّل خوفهم أمناً، وفقرهم غنىً، وشقاءهم سعادةً، فيهنئون بطيب العيش، وينعمون بالسعادة في الحياة، ويسبغ عليهم سبحانه المزيدَ المزيد من خيره وإنعامه. اقرأ معي قول الله تعالى: (وَأَنِ? سْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى? أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ). [سورة هود: ٣] ووصف المتاع بالحسن؛ ليدل على أنه عطاء ليس مشوباً بالمكدرات والمنغصات التي تقلق الإنسان في دنياه، وإنما هو عطاء يجعل المؤمن يتمتع بنعم الله التي أسبغها عليه، مع المداومة على شكره- سبحانه- على هذه النعم (٢).

[وصية للحسن غالية]

وكان وصايا الحسن البصري_رحمه الله_: "لا تملُّوا من الاستغفارِ. واكثِرُوا مِنه في بُيُوتِكم، وعَلَى موائِدِكم، وفي طُرُقِكم، وفي أسواقِكُم، فإنَّكم ما تدرُون متى تَنْزِلُ المغفرةُ". وقال التابعي الجليل بكر المُزَنيُّ: "إنَّ أعمال بني آدمَ ترفعُ فإذا رفعت صحيفة فيها استغفار رُفعت بيضاءُ، وإذا رُفعتْ ليس فيها استغفارٌ رفعت سوداء" (٣).


(١) الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي ١٨/ ٣٠٢.
(٢) التفسير الوسيط للقرآن الكريم ٧/ ١٥٩
(٣) روائع التفسير (الجامع لتفسير الإمام ابن رجب الحنبلي) ٢/ ٦٥٣

<<  <   >  >>