للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلما بلغ الكلام والنصح من مقبل إلى هذا المقام وكان رأي المدبر رسخ في خاطر الملك لأن النفوس بطبعها مائلة إلى الفساد والتولي عن النصيحة والعناد لم يعد كلام المقبل شيئاً فأخذ في أسباب التوجه إلى محاربة الأسد وأمر بفتح الخزائن وتجهيز الجنود وسار إلى جزيرة الأسد فعندما حل بساحتها أطلع الأسد على هذه الأحوال وسمع هذه الحركات والأقوال وعاين الفيل مكابدة الأسود ومكايدة النمور والفهود ورأى من مقارعتهم مصادمة الجبال وعدم معرفة الموت والوبال زاغ كأنه وطف أو ولد قهر ولايات الأسد فأخبر أنه قدم جزيرة الأسد، للتنزه وتغيير الهواء والكد فأنكر الأسد في نفسه هذه القضية وعلم أن هذا الكلام خداع ودهيه وإن هذه القضايا لابد فيها من إراقة دماءٍ وخراب أماكن وهلاك رعايا سواء تمت للأفيال هذه الأمور أو لم تتم ما عزمت عليه من الشرور، فأخذ يضرب أخماساً إلى أسداس وخاف على سكنه وخراب وطنه واستئصال أولاده وذهاب طريفه ومتلده وكل هذا والأسد منتظر الوقوف على حقيقة ذلك الأمر. فبينما هو كذلك إذا قبل عليه مقبل وأخبره الخبر ليكون له حظوة عنده يتداركه بها لحسن آرائه ويصير ممنوناً بحسن تدبيره وإمضائه ويصير له عند الأسد بذلك وجه ويد ورجع مسرعاً إلى ملكه بعد أن أطلع الأسد على حقيقة الأحوال وما عزم عليه ملك الأفيال فنادى الأسد في جيشه بالحرب والغزو فتشوشت الخواطر وانصدعت الأصاغر والأكابر ورسم باجتماع رؤوس مملكته وأعيان خاصته ورعيته وأعرض عليهم ما بلغه من القول من هذا الأمر المهول وإذن لكل أحد في ذلك بأن فاتفقوا على أن يجمعوا من كل جنس من الحيوانات واحداً يتفقون على خصاصته وكفايته وعظته ودرايته ويعقدون معهم مجلس مشاورة، فمهما وقع عليه الاتفاق من

<<  <   >  >>