الفأرة بما أقبلت وأخذا في أعمال الحيلة إلى أن أدتهم أفكارهم الوبيلة أن يخدعوا صاحب الدار بالذهب ويلقوه بسبب ذلك في أشد اللهب ثم تمهلوا إليها إن دخل الليل وشرعوا في أعمال الحيلة والويل فأخرجت الفأرة ديناراً وألقته في صحن الدار ووضعت ديناراً آخر عند حجر الفار وأظهرت نصف دينار من الذهب من حجرها وجعلت النصف الآخر عند العقرب واستترت العقرب إذ كانت تحتاج السكون واختفيت تحت أذيال الكمون وقد عبت في شوكتها ريب المنون وزبانها السم الكمون، فلما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح وأغنى الليل عن ضوء المصباح وقام من نومه ذلك العديم للفلاح وجد هذا الدينار في صحن الدار فنهض إليه واسعد نهاره بصباح ديناره ولم يعلم أنه سبب لدماره ففتح عينيه وحلق حواليه فوجد عند حجر الفأرة ثاني دينار ففرح وطار ونشط واستطار وزاد في الطلب عن بقية الذهب فرأى نصف دينار داخل حجر الفار فمد يده إليه وأعمى القضاء عينيه عما قدر عليه فضربته العقرب ضربة فقضى منها نحبه فبرد مكانه ولاقى هوانه وأخذت الفأرة ثأرها وقضت من عدوها أوطارها.
وإنما أوردت هذا المثل ليعلم الملك أن حيلة الأفكار تفعل ما لا يفعله الصارم البتار وبقليل الحيلة تدرك الأمور الجليلة فلا يهتم الملك بحديث الأفيال ويأخذ فيما هو بصدده بدقيق الاحتيال، وأنا أرجو من كرم الله تعالى أن ننتصر على عدونا ونظفر منه بما مولنا ومرجونا فأول ما نعاملهم بالوهم وإظهار الصولة والتخويف وقوة شوكة الدولة فإن الوهم قتال والعاقل يحتال وطائفة الفيول عديمة العقول وبالوهم يبلغ الشخص مراده كما بلغ الحمار من الأسد ما أراده، قال الأسد: أخبرني بتلك الحكاية.