للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بالسهر المستمر لوم يزالا في سير مكد وسهر مجد ما بين مازح وماجن إلى أن وصلا إلى جبل قارن فوصلا وكان عند العقاب أحد المقربين من الحجاب يسمى يؤيؤ وهو أحسن منظرا من اللؤلؤ صورته مسعودة وسيرته محمودة وبين الطير مشكور الأحوال مشهور الخير والدلال وفيه من المعرفة والدين والعقل الرزين والرأي المتين ما يصلح أن يكون به مقتدى السلاطين وعنده من الوقوف على دقائق الأمور ما فاق به الجمهور وسار به على جميع الطيور وكان صيته قد اشتهر حتى مل البدو والحضر فنزل الذكر في مكان ليعرض عليه ما عن له من شأن فوصل إلى جنابه وأتى بيت مقصده من بابه فحين دخل عليه قبل الأرض بين يديه وتمثل لديه فاقبل اليؤيؤ عليه وأشار بتقريبه إليه وأزال الدهشة والوحشة عن حضرته وأقبل عليه بكليته وزاد في إكرامه وتحيته وسلامه وسأله عن محتده وجرثومه وما سبب سفره وقدومه ومن أين شد ركابه وما قصده وطلابه فأجابه:

لقد قص ريشي الدهر عن كل مطلب ... وألهمني بأنك راشي

ففي سمري مد كهجرك مفرط ... وفي قصتي طول كصدرك فاشي

ثم إعلم أيها الرئيس المحتشم النفيس أن مولدي في مكان من جبال الإيمان يضاهي الحنان ومن كثرة الروح والريحان يباهي روضة رضوان أنزه من عصر الشباب وافكه من معاقدة الأتراب ومنادمة الأحباب على رفيق الشراب، نشأت فيه مع قرينة جميلة صبية أمينة فقضيت فيه عمري ورجوت فيه بقية دهري قانعا بما تيسر من الرزق فارغا عن الاشتغال بما في أيدي الخلق متمسكا بذيل العزلة أعد الانفراد نعمة ذاكرا قول من بالتدريس اشتغل ومن بحار العلوم أغترف وتكمل ثلاثة تحسم: العقل والنفس الزوجة

<<  <   >  >>