للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الجميلة والأخ المؤانس والاكتفاء من الرزق فكنت قصرت على هذه الثلاثة دهري وقضيت بها غالب عمري ولكن كان مأوانا وصيفنا وشتانا على الحوادث وممرا لكل عابث ومعبرا لمصايد الصيد وموردا لمواطئ عمرو وزيد وكنا كلما ولدنا مولود وتجدد لنا بالبهجة عهود وحصل للعين قرة وللقلب مسرة فنقول هذا يبقى ذكرنا بعدنا ويحيي آثارنا عند حلولنا لحدنا. فلم يكن أسرع من هجوم خاطفة أو هبوب ريح عاصفة فيخطفه من بيننا ويجذبه قسراً من قلبنا وعيننا فإن سلم من تلك المصايد وتخلص من سهم المكايد حطمت عساكر الملك كل سنة فلا يخلو منها موطئ قدم من تلك الأمكنة فتذهب منا قرة العين وتتهشم غلظاً تحت الرجلين وهذا البلاء التام والكرب العام ولابد منه في كل عام فكان أيها المخدوم في شأننا موجب الهموم وأنشد:

يا ابن آدم لا يغررك عافية ... عليك شاملة فالعمر معدود

وما أنت إلا كزرع عند حضرته ... بكل شيء من الآفات مقصود

فإن سلمت من الآفات أجمعها ... فأنت عند كمال الأمر محصود

فضاق مني لهذا العطن فلم أر أوفق من فراق الوطن فعرضت على الزوجة هذا الحال وأشرت عليها بالارتحال فأبت لا من حيث يولد ونفرت وعصت فقلت لها: المرء من حيث يوجد لا من حيث يولد فما زلنا نتحاور ونتراءى ونتشاور ويرمي كل منا سهم آرائه عن قوس فكره ومرائه حتى لانت أخلاقها الصعبة بعد أن سلم ما في الحسبة ثم أعطت القوس باريها وأدركت من مقاصدي معانيها وسمحت غصباً بالانتقال من تلك البلاد وسلمت إلى يد تدبيري زمام الانقياد فرحلنا من شقة بعيدة وقاسينا مشقة شديدة وقصدنا هذا الحرم إذ رأيناه مسملاً على اللطف والكرم وقطعنا شباك مصايد وخلصنا من إشراك كل صايد وفطمنا أنفسنا عن شباك

<<  <   >  >>